}يَا
حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ
يستهزئون{
تفسير ابن كثير : قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي
طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد "
أَيْ يَا وَيْل الْعِبَاد وَقَالَ قَتَادَة " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد " أَيْ
يَا حَسْرَة الْعِبَاد عَلَى أَنْفُسهمْ عَلَى مَا ضَيَّعَتْ مِنْ أَمْر اللَّه
وَفَرَّطَتْ فِي جَنْب اللَّه وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات " يَا حَسْرَة الْعِبَاد
عَلَى أَنْفُسهَا " وَمَعْنَى هَذَا يَا حَسْرَتهمْ وَنَدَامَتهمْ يَوْم
الْقِيَامَة إِذَا عَايَنُوا الْعَذَاب كَيْفَ كَذَّبُوا رُسُل اللَّه وَخَالَفُوا
أَمْر اللَّه فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي الدَّار الدُّنْيَا الْمُكَذِّبُونَ مِنْهُمْ
" مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ " أَيْ
يُكَذِّبُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيَجْحَدُونَ مَا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ
الْحَقّ .
تفسير
القرطبي : " يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَاد " مَنْصُوب ; لِأَنَّهُ نِدَاء نَكِرَة
وَلَا يَجُوز فِيهِ غَيْر النَّصْب عِنْد الْبَصْرِيِّينَ . وَفِي حَرْف أُبَيّ "
يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ " عَلَى الْإِضَافَة . وَحَقِيقَة الْحَسْرَة فِي اللُّغَة
أَنْ يَلْحَق الْإِنْسَانَ مِنْ النَّدَم مَا يَصِير بِهِ حَسِيرًا . وَزَعَمَ
الْفَرَّاء أَنَّ الِاخْتِيَار النَّصْب , وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعْتَ النَّكِرَة
الْمَوْصُولَة بِالصِّلَةِ كَانَ صَوَابًا . وَاسْتَشْهَدَ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا
أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ الْعَرَب : يَا مُهْتَمُّ بِأَمْرِنَا لَا تَهْتَمَّ .
وَأَنْشَدَ : يَا دَارُ غَيَّرَهَا الْبِلَى تَغْيِيرَا قَالَ النَّحَّاس : وَفِي
هَذَا إِبْطَال بَابِ النِّدَاء أَوْ أَكْثَرِهِ ; لِأَنَّهُ يَرْفَع النَّكِرَة
الْمَحْضَة , وَيَرْفَع مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَاف فِي طُوله , وَيَحْذِف
التَّنْوِين مُتَوَسِّطًا , وَيَرْفَع مَا هُوَ فِي الْمَعْنَى مَفْعُول بِغَيْرِ
عِلَّة أَوْجَبَتْ ذَلِكَ . فَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْعَرَب فَلَا يُشْبِهُ مَا
أَجَازَهُ ; لِأَنَّ تَقْدِير يَا مُهْتَمُّ بِأَمْرِنَا لَا تَهْتَمّ عَلَى
التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير , وَالْمَعْنَى : يَا أَيّهَا الْمُهْتَمّ لَا تَهْتَمّ
بِأَمْرِنَا . وَتَقْدِير الْبَيْت : يَا أَيَّتُهَا الدَّار , ثُمَّ حَوَّلَ
الْمُخَاطَبَة ; أَيْ يَا هَؤُلَاءِ غَيَّرَ هَذِهِ الدَّار الْبِلَى ; كَمَا قَالَ
اللَّه جَلَّ وَعَزَّ : " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ "
[ يُونُس : 22 ] . فَـ " حَسْرَةً " مَنْصُوب عَلَى النِّدَاء ; كَمَا تَقُول يَا
رَجُلًا أَقْبِلْ , وَمَعْنَى النِّدَاء : هَذَا مَوْضِع حُضُور الْحَسْرَة .
الطَّبَرِيّ : الْمَعْنَى يَا حَسْرَة مِنْ الْعِبَاد عَلَى أَنْفُسهمْ
وَتَنَدُّمًا وَتَلَهُّفًا فِي اِسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِ اللَّه عَلَيْهِمْ
السَّلَام . اِبْن عَبَّاس : " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد " أَيْ يَا وَيْلًا
عَلَى الْعِبَاد . وَعَنْهُ أَيْضًا : حَلَّ هَؤُلَاءِ مَحَلّ مَنْ يُتَحَسَّر
عَلَيْهِمْ . وَرَوَى الرَّبِيع عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَنَّ الْعِبَاد
هَاهُنَا الرُّسُل ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّار لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب قَالُوا :
" يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد " فَتَحَسَّرُوا عَلَى قَتْلهمْ , وَتَرْك
الْإِيمَان بِهِمْ ; فَتَمَنَّوْا الْإِيمَان حِين لَمْ يَنْفَعْهُمْ الْإِيمَان ;
وَقَالَهُ مُجَاهِد . وَقَالَ الضَّحَّاك : إِنَّهَا حَسْرَة الْمَلَائِكَة عَلَى
الْكُفَّار حِين كَذَّبُوا الرُّسُل . وَقِيلَ : " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد "
مِنْ قَوْل الرَّجُل الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة يَسْعَى , لَمَّا
وَثَبَ الْقَوْم لِقَتْلِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ الرُّسُل الثَّلَاثَة هُمْ الَّذِينَ
قَالُوا لَمَّا قَتَلَ الْقَوْم ذَلِكَ الرَّجُل الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَة يَسْعَى , وَحَلَّ بِالْقَوْمِ الْعَذَاب : يَا حَسْرَة عَلَى
هَؤُلَاءِ , كَأَنَّهُمْ تَمَنَّوْا أَنْ يَكُونُوا قَدْ آمَنُوا . وَقِيلَ : هَذَا
مِنْ قَوْل الْقَوْم قَالُوا لَمَّا قَتَلُوا الرَّجُل وَفَارَقَتْهُمْ الرُّسُل ,
أَوْ قَتَلُوا الرَّجُل مَعَ الرُّسُل الثَّلَاثَة , عَلَى اِخْتِلَاف الرِّوَايَات
: يَا حَسْرَة عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّسُل , وَعَلَى هَذَا الرَّجُل , لَيْتَنَا
آمَنَّا بِهِمْ فِي الْوَقْت الَّذِي يَنْفَع الْإِيمَان . وَتَمَّ الْكَلَام عَلَى
هَذَا , ثُمَّ اِبْتَدَأَ فَقَالَ : " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول " . وَقَرَأَ
اِبْن هُرْمُز وَمُسْلِم بْن جُنْدُب وَعِكْرِمَة : " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد
" بِسُكُونِ الْهَاء لِلْحِرْصِ عَلَى الْبَيَان وَتَقْرِير الْمَعْنَى فِي
النَّفْس ; إِذْ كَانَ مَوْضِع وَعْظ وَتَنْبِيه وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي
مِثْله , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْوَقْفِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَع قِرَاءَته
حَرْفًا حَرْفًا ; حِرْصًا عَلَى الْبَيَان وَالْإِفْهَام . وَيَجُوز أَنْ يَكُون "
عَلَى الْعِبَاد " مُتَعَلِّقًا بِالْحَسْرَةِ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُتَعَلِّقًا
بِمَحْذُوفٍ لَا بِالْحَسْرَةِ ; فَكَأَنَّهُ قَدَّرَ الْوَقْف عَلَى الْحَسْرَة
فَأَسْكَنَ الْهَاء , ثُمَّ قَالَ : " عَلَى الْعِبَاد " أَيْ أَتَحَسَّرُ عَلَى
الْعِبَاد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَغَيْرِهِمَا : " يَا حَسْرَة
الْعِبَاد " مُضَاف بِحَذْفِ " عَلَى " . وَهُوَ خِلَاف الْمُصْحَف . وَجَازَ أَنْ
يَكُون مِنْ بَاب الْإِضَافَة إِلَى الْفَاعِل فَيَكُون الْعِبَاد فَاعِلِينَ ;
كَأَنَّهُمْ إِذَا شَاهَدُوا الْعَذَاب تَحَسَّرُوا فَهُوَ كَقَوْلِك يَا قِيَام
زَيْد . وَيَجُوز أَنْ تَكُون مِنْ بَاب الْإِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول , فَيَكُون
الْعِبَاد مَفْعُولِينَ ; فَكَأَنَّ الْعِبَاد يَتَحَسَّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُشْفِق
لَهُمْ . وَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد " مُقَوِّيَة
لِهَذَا الْمَعْنَى .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } يَقُول
تَعَالَى ذِكْره : يَا حَسْرَة الْعِبَاد عَلَى أَنْفُسهَا وَتَنَدُّمًا
وَتَلَهُّفًا فِي اِسْتِهْزَائِهِمْ بِرُسُلِ اللَّه { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُول
} مِنْ اللَّه { إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي
بَعْض الْقِرَاءَات : " يَا حَسْرَة الْعِبَاد عَلَى أَنْفُسهَا " . وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
22282 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ
قَتَادَة { يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد } : أَيْ يَا حَسْرَة الْعِبَاد عَلَى
أَنْفُسهَا عَلَى مَا ضَيَّعَتْ مِنْ أَمْر اللَّه , وَفَرَّطَتْ فِي جَنْب اللَّه
قَالَ : وَفِي بَعْض الْقِرَاءَات : " يَا حَسْرَة الْعِبَاد عَلَى أَنْفُسهَا " .
22283 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا
عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن ; قَالَ : ثنا وَرْقَاء ,
جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَا حَسْرَة عَلَى
الْعِبَاد } قَالَ : كَانَ حَسْرَة عَلَيْهِمْ اِسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ
22284 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة ,
عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد }
يَقُول : يَا وَيْلًا لِلْعِبَادِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول :
مَعْنَى ذَلِكَ : يَا لَهَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد
} أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ
إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ {
تفسير
ابن كثير : ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : " أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ
مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ " أَيْ أَلَمْ يَتَّعِظُوا
بِمَنْ أَهْلَكَ اللَّه قَبْلهمْ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ كَيْفَ لَمْ
يَكُنْ لَهُمْ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا كَرَّة وَلَا رَجْعَة وَلَمْ يَكُنْ
الْأَمْر كَمَا زَعَمَ كَثِير مِنْ جَهَلَتهمْ وَفَجَرَتهمْ مِنْ قَوْلهمْ " إِنْ
هِيَ إِلَّا حَيَاتنَا الدُّنْيَا نَمُوت وَنَحْيَا " وَهُمْ الْقَائِلُونَ
بِالدَّوْرِ مِنْ الدُّهْرِيَّة وَهُمْ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ جَهْلًا مِنْهُمْ
أَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا كَمَا كَانُوا فِيهَا فَرَدَّ اللَّه
تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ بَاطِلهمْ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " أَلَمْ
يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا
يَرْجِعُونَ
تفسير
القرطبي : قَالَ سِيبَوَيْهِ : " أَنَّ " بَدَل مِنْ " كَمْ " ,
وَمَعْنَى كَمْ هَاهُنَا الْخَبَر ; فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُبْدَل مِنْهَا مَا
لَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ . وَالْمَعْنَى : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّ الْقُرُون الَّذِينَ
أَهْلَكْنَاهُمْ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : "
كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا بِـ " يَرَوْا "
وَاسْتَشْهَدَ عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " أَلَمْ يَرَوْا
مَنْ أَهْلَكْنَا " . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب
بِـ " أَهْلَكْنَا " . قَالَ النَّحَّاس : الْقَوْل الْأَوَّل مُحَال ; لِأَنَّ "
كَمْ " لَا يَعْمَل فِيهَا مَا قَبْلَهَا ; لِأَنَّهَا اِسْتِفْهَام , وَمُحَال
أَنْ يَدْخُل الِاسْتِفْهَام فِي خَبَر مَا قَبْله . وَكَذَا حُكْمهَا إِذَا
كَانَتْ خَبَرًا , وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ قَدْ أَوْمَأَ إِلَى بَعْض هَذَا
فَجَعَلَ " أَنَّهُمْ " بَدَلًا مِنْ كَمْ . وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ مُحَمَّد بْن
يَزِيد أَشَدَّ رَدٍّ , وَقَالَ : " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِـ " أَهْلَكْنَا "
وَ " أَنَّهُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب , وَالْمَعْنَى عِنْده بِأَنَّهُمْ أَيْ "
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُون " بِالِاسْتِئْصَالِ .
قَالَ : وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " مَنْ
أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ " .
وَقَرَأَ الْحَسَن : " إِنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة
عَلَى الِاسْتِئْنَاف . وَهَذِهِ الْآيَة رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مِنْ
الْخَلْق مَنْ يَرْجِع قَبْل الْقِيَامَة بَعْد الْمَوْت .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ
أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ
قَوْمك يَا مُحَمَّد كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلنَا ,
وَكُفْرهمْ بِآيَاتِنَا مِنْ الْقُرُون الْخَالِيَة { أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا
يَرْجِعُونَ } يَقُول : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذَكِرْ مَنْ
قَالَ ذَلِكَ : 22285 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا
سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَلَمْ يَرَوْا كُمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ مِنْ الْقُرُون
أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ } قَالَ : عَاد وَثَمُود , وَقُرُون بَيْن
ذَلِكَ كَثِير و " كَمْ " مِنْ قَوْله : { كَمْ أَهْلَكْنَا } فِي مَوْضِع نَصْب
إِنْ شِئْت بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا . وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة
عَبْد اللَّه : " أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا " وَإِنْ شِئْت بِوُقُوعِ
أَهْلَكْنَا عَلَيْهَا ; وَأَمَّا " أَنَّهُمْ " , فَإِنَّ الْأَلِف مِنْهَا
فُتِحَتْ بِوُقُوعِ يَرَوْا عَلَيْهَا . وَذُكِرَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كُسِرَ
الْأَلِف مِنْهَا عَلَى وَجْه الِاسْتِئْنَاف بِهَا , وَتُرِكَ إِعْمَال " يَرَوْا
" فِيهَا.
} وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا
مُحْضَرُونَ {
تفسير
ابن كثير : وَقَوْله عَزَّ
وَجَلَّ " وَإِنْ كُلّ لَمَّا جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ " أَيْ وَإِنَّ جَمِيع
الْأُمَم الْمَاضِيَة وَالْآتِيَة سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ يَوْم الْقِيَام بَيْن
يَدَيْ اللَّه جَلَّ وَعَلَا فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ كُلّهَا خَيْرهَا
وَشَرّهَا وَمَعْنَى هَذِهِ كَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا " وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا
لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبّك أَعْمَالهمْ " وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي أَدَاء
هَذَا الْحَرْف فَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ " وَإِنْ كُلّ لَمَا " بِالتَّخْفِيفِ
فَعِنْده أَنَّ إِنْ لِلْإِثْبَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَدَّدَ " لَمَّا " وَجَعَلَ
إِنْ نَافِيَة وَلَمَّا بِمَعْنَى إِلَّا تَقْدِيره وَمَا كُلّ إِلَّا جَمِيع
لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِد وَاَللَّه سُبْحَانه
وَتَعَالَى أَعْلَم .
تفسير
القرطبي : يُرِيد يَوْم
الْقِيَامَة لِلْجَزَاءِ . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَعَاصِم وَحَمْزَة : وَ " إِنْ
كُلٌّ لَمَّا " بِتَشْدِيدِ " لَمَّا " . وَخَفَّفَ الْبَاقُونَ . فَـ " إِنْ "
مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَمَا بَعْدهَا مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ , وَمَا
بَعْده الْخَبَر . وَبَطَلَ عَمَلُهَا حِين تَغَيَّرَ لَفْظهَا . وَلَزِمَتْ
اللَّام فِي الْخَبَر فَرْقًا بَيْنهَا وَبَيْن إِنْ الَّتِي بِمَعْنَى مَا . "
وَمَا " عِنْد أَبِي عُبَيْدَة زَائِدَة . وَالتَّقْدِير عِنْده : وَإِنْ كُلٌّ
لَجَمِيعٌ . قَالَ الْفَرَّاء : وَمَنْ شَدَّدَ جَعَلَ " لَمَّا " بِمَعْنَى إِلَّا
وَ " إِنْ " بِمَعْنَى مَا , أَيْ مَا كُلٌّ إِلَّا لَجَمِيعٌ ; كَقَوْلِهِ : "
إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُل بِهِ جِنَّة " [ الْمُؤْمِنُونَ : 25 ] . وَحَكَى
سِيبَوَيْهِ فِي قَوْله : سَأَلْتُك بِاَللَّهِ لَمَّا فَعَلْت . وَزَعَمَ
الْكِسَائِيّ أَنَّهُ لَا يُعْرَف هَذَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [
هُود ] . وَفِي حَرْف أُبَيّ " وَإِنْ مِنْهُمْ إِلَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا
مُحْضَرُونَ " .
تفسير
الطبري : وَقَوْله : { وَإِنْ كُلّ لَمَّا جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول
تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ كُلّ هَذِهِ الْقُرُون الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا
وَاَلَّذِينَ لَمْ نُهْلِكهُمْ وَغَيْرهمْ عِنْدنَا يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعهمْ
مُحْضَرُونَ , كَمَا : 22286 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ :
ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة { وَإِنْ كُلّ لَهَا جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } أَيْ
هُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ ,
فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : "
وَإِنْ كُلّ لَمَّا " بِالتَّخْفِيفِ تَوْجِيهًا مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ " مَا
" أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا اللَّام الَّتِي تَدْخُل جَوَابًا لِأَنْ وَأَنْ مَعْنَى
الْكَلَام : وَإِنْ كُلّ لَجَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة
قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : { لَمَّا } بِتَشْدِيدِ الْمِيم . وَلِتَشْدِيدِهِمْ
ذَلِكَ عِنْدنَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون الْكَلَام عِنْدهمْ كَانَ
مُرَادًا بِهِ : وَإِنْ كُلّ لَمَّا جَمِيع , ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى الْمِيمَات
لَمَّا كَثُرَتْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : غَدَاة طَفَتْ عُلَمَاء بَكْر بْن
وَائِل وَعُجْنَا صُدُور الْخَيْل نَحْو تَمِيم وَالْآخَر : أَنْ يَكُونُوا
أَرَادُوا أَنْ تَكُون { لَمَّا } بِمَعْنَى إِلَّا , مَعَ إِنَّ خَاصَّة فَتَكُون
نَظِيرَة إِنَّمَا إِذَا وُضِعَتْ مَوْضِع " إِلَّا " . وَقَدْ كَانَ بَعْض
نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : كَأَنَّهَا " لَمْ " ضُمَّتْ إِلَيْهَا " مَا " ,
فَصَارَتَا جَمِيعًا اِسْتِثْنَاء , وَخَرَجَتَا مِنْ حَدِّ الْجَحْد . وَكَانَ
بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : لَا أَعْرِف وَجْه " لَمَّا " بِالتَّشْدِيدِ .
وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ
مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ
فَمُصِيب .
} وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا
مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {
تفسير
ابن كثير : يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَآيَة لَهُمْ " أَيْ دَلَالَة لَهُمْ
عَلَى وُجُود الصَّانِع وَقُدْرَته التَّامَّة وَإِحْيَائِهِ الْمَوْتَى " الْأَرْض
الْمَيْتَة " أَيْ إِذَا كَانَتْ مَيْتَة هَامِدَة لَا شَيْء فِيهَا مِنْ النَّبَات
فَإِذَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهَا الْمَاء اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " أَحْيَيْنَاهَا
وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ " أَيْ جَعَلْنَا رِزْقًا
لَهُمْ وَلِأَنْعَامِهِمْ .
}وَآيَةٌ
لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا
حَبًّا{
تفسير
ابن كثير : نَبَّهَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِهَذَا عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى ,
وَذَكَّرَهُمْ تَوْحِيدَهُ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ , وَهِيَ الْأَرْض الْمَيْتَة
أَحْيَاهَا بِالنَّبَاتِ وَإِخْرَاج الْحَبّ مِنْهَا . وَشَدَّدَ أَهْل الْمَدِينَة
" الْمَيِّتَة " وَخَفَّفَ الْبَاقُونَ , وَقَدْ تَقَدَّمَ .
تفسير
القرطبي :
فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ " فَمِنْهُ " أَيْ
مِنْ الْحَبّ " يَأْكُلُونَ " وَبِهِ يَتَغَذَّوْنَ .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ الْأَرْض
الْمَيْتَة أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَدَلَالَة لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى قُدْرَة
اللَّه عَلَى مَا يَشَاء , وَعَلَى إِحْيَائِهِ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقه وَإِعَادَته
بَعْد فَنَائِهِ , كَهَيْئَتِهِ قَبْل مَمَاته إِحْيَاؤُهُ الْأَرْض الْمَيْتَة ,
الَّتِي لَا نَبْت فِيهَا وَلَا زَرْع بِالْغَيْثِ الَّذِي يُنَزِّلهُ مِنْ
السَّمَاء حَتَّى يَخْرُج زَرْعهَا , ثُمَّ إِخْرَاجه مِنْهَا الْحَبّ الَّذِي هُوَ
قُوت لَهُمْ وَغِذَاء , فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ .
}وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا
فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ{
تفسير
ابن كثير : " وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب وَفَجَّرْنَا
فِيهَا مِنْ الْعُيُون " أَيْ جَعَلْنَا فِيهَا أَنْهَارًا سَارِحَة فِي أَمْكِنَة
يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا .
تفسير
القرطبي وَجَعَلْنَا فِيهَا أَيْ فِي الْأَرْض
. جَنَّاتٍ أَيْ بَسَاتِين . مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَخَصَّصَهُمَا بِالذِّكْرِ
; لِأَنَّهُمَا أَعْلَى الثِّمَار . وَفَجَّرْنَا فِيهَا
مِنَ الْعُيُونِ أَيْ فِي الْبَسَاتِين .
تفسير
الطبري : وَقَوْله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّات مِنْ نَخِيل
وَأَعْنَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْض الَّتِي
أَحْيَيْنَاهَا بَعْد مَوْتهَا بَسَاتِين مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب { وَفَجَّرْنَا
فِيهَا مِنْ الْعُيُون } يَقُول : وَأَنْبَعْنَا فِيهَا مِنْ عُيُون الْمَاء
.
}لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا
يَشْكُرُونَ{
تفسير
ابن كثير : " لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره " ; لَمَّا اِمْتَنَّ عَلَى خَلْقه
بِإِيجَادِ الزُّرُوع لَهُمْ عَطَفَ بِذِكْرِ الثِّمَار وَتَنَوُّعهَا
وَأَصْنَافهَا وَقَوْله جَلَّ وَعَلَا " وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ " أَيْ وَمَا
ذَاكَ كُلّه إِلَّا مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى بِهِمْ لَا بِسَعْيِهِمْ وَلَا
كَدّهمْ وَلَا بِحَوْلِهِمْ وَقُوَّتهمْ قَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه
عَنْهُمَا وَقَتَادَة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " أَفَلَا يَشْكُرُونَ " أَيْ
فَهَلَّا يَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ النِّعَم
الَّتِي لَا تُعَدّ وَلَا تُحْصَى وَاخْتَارَ اِبْن جَرِير بَلْ جَزَمَ بِهِ
وَلَمْ يَحْكِ غَيْره إِلَّا اِحْتِمَالًا أَنَّ مَا فِي قَوْله تَعَالَى : "
وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ " بِمَعْنَى الَّذِي تَقْدِيره لِيَأْكُلُوا مِنْ
ثَمَره وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَيْ غَرَسُوهُ وَنَصَبُوهُ قَالَ وَهِيَ
كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ "
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ "
.
تفسير
القرطبي : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ الْهَاء فِي "
ثَمَره " تَعُود عَلَى مَاء الْعُيُون ; لِأَنَّ الثَّمَر مِنْهُ اِنْدَرَجَ ;
قَالَهُ الْجُرْجَانِيّ وَالْمَهْدَوِيّ وَغَيْرهمَا . وَقِيلَ : أَيْ لِيَأْكُلُوا
مِنْ ثَمَر مَا ذَكَرْنَا ; كَمَا قَالَ : " وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام
لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونه " [ النَّحْل : 66 ] . وَقَرَأَ حَمْزَة
وَالْكِسَائِيّ : " مِنْ ثُمُرِهِ " بِضَمِّ الثَّاء وَالْمِيم . وَفَتَحَهُمَا
الْبَاقُونَ . وَعَنْ الْأَعْمَش ضَمّ الثَّاء وَإِسْكَان الْمِيم . وَقَدْ مَضَى
الْكَلَام فِيهِ فِي [ الْأَنْعَام ] . وَمَا عَمِلَتْهُ
أَيْدِيهِمْ " مَا " فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الْعَطْف عَلَى " مِنْ
ثَمَرِهِ " أَيْ وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ : "
وَمَا عَمِلَتْ " بِغَيْرِ هَاء . الْبَاقُونَ " عَمِلَتْهُ " عَلَى الْأَصْل مِنْ
غَيْر حَذْف . وَحَذْف الصِّلَة أَيْضًا فِي الْكَلَام كَثِير لِطُولِ الِاسْم .
وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَا " نَافِيَة لَا مَوْضِعَ لَهَا فَلَا تَحْتَاج إِلَى
صِلَة وَلَا رَاجِع . أَيْ وَلَمْ تَعْمَلْهُ أَيْدِيهمْ مِنْ الزَّرْع الَّذِي
أَنْبَتَهُ اللَّه لَهُمْ . وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل .
وَقَالَ غَيْرهمْ : الْمَعْنَى وَمِنْ الَّذِي عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَيْ مِنْ
الثِّمَار , وَمِنْ أَصْنَاف الْحَلَاوَات وَالْأَطْعِمَة , وَمِمَّا اِتَّخَذُوا
مِنْ الْحُبُوب بِعِلَاجٍ كَالْخُبْزِ وَالدُّهْن الْمُسْتَخْرَج مِنْ السِّمْسِم
وَالزَّيْتُون . وَقِيلَ : يَرْجِع ذَلِكَ إِلَى مَا يَغْرِسُهُ النَّاس . رُوِيَ
مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا .
أَفَلَا
يَشْكُرُونَ نِعَمَهُ .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره
وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
أَنْشَأْنَا هَذِهِ الْجَنَّات فِي هَذِهِ الْأَرْض لِيَأْكُل عِبَادِي مِنْ ثَمَره
, وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهمْ يَقُول : لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَر الْجَنَّات الَّتِي
أَنْشَأْنَا لَهُمْ , وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهمْ مِمَّا غَرَسُوا هُمْ وَزَرَعُوا .
و " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهمْ } فِي مَوْضِع خَفْض
عَطْفًا عَلَى الثَّمَر , بِمَعْنَى : وَمِنْ الَّذِي عَمِلَتْ ; وَهِيَ فِي
قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا ذُكِرَ : " وَمِمَّا عَمِلَتْهُ " بِالْهَاءِ عَلَى
هَذَا الْمَعْنَى ; فَالْهَاء فِي قِرَاءَتنَا مُضْمَرَة , لِأَنَّ الْعَرَب
تُضْمِرهَا أَحْيَانًا , وَتُظْهِرهَا فِي صِلَات : مَنْ , وَمَا , وَاَلَّذِي .
وَلَوْ قِيلَ : " مَا " بِمَعْنَى الْمَصْدَر كَانَ مَذْهَبًا , فَيَكُون مَعْنَى
الْكَلَام : وَمِنْ عَمَل أَيْدِيهمْ . وَلَوْ قِيلَ : إِنَّهَا بِمَعْنَى الْجَحْد
وَلَا مَوْضِع لَهَا كَانَ أَيْضًا مَذْهَبًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام :
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَره وَلَمْ تَعْمَلهُ أَيْدِيهمْ. وَقَوْله : { أَفَلَا
يَشْكُرُونَ } يَقُول : أَفَلَا يَشْكُر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ
رَزَقْنَاهُمْ هَذَا الرِّزْق مِنْ هَذِهِ الْأَرْض الْمَيْتَة الَّتِي
أَحْيَيْنَاهَا لَهُمْ مِنْ رِزْقهمْ ذَلِكَ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهِ ؟
.
}سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ
الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ{
تفسير
ابن كثير : ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي خَلَقَ
الْأَزْوَاج كُلّهَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض " أَيْ مِنْ زُرُوع وَثِمَار وَنَبَات
" وَمِنْ أَنْفُسهمْ " فَجَعَلَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى " وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ
" أَيْ مِنْ مَخْلُوقَات شَتَّى لَا يَعْرِفُونَهَا كَمَا قَالَ جَلَّتْ عَظَمَته "
وَمِنْ كُلّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "
.
تفسير
القرطبي :
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا نَزَّهَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ عَنْ قَوْل الْكُفَّار ;
إِذْ عَبَدُوا غَيْره مَعَ مَا رَأَوْهُ مِنْ نِعَمِهِ وَآثَار قُدْرَتِهِ .
وَفِيهِ تَقْدِير الْأَمْر ; أَيْ سَبِّحُوهُ وَنَزِّهُوهُ عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ
. وَقِيلَ : فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب ; أَيْ عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ فِي كُفْرهمْ
مَعَ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَات ; وَمَنْ تَعَجَّبَ مِنْ شَيْء قَالَ
: سُبْحَانَ اللَّه ! وَالْأَزْوَاج الْأَنْوَاع وَالْأَصْنَاف ; فَكُلّ زَوْج
صِنْف ; لِأَنَّهُ مُخْتَلِف فِي الْأَلْوَان وَالطُّعُوم وَالْأَشْكَال وَالصِّغَر
وَالْكِبَر , فَاخْتِلَافهَا هُوَ اِزْدِوَاجهَا . وَقَالَ قَتَادَة : يَعْنِي
الذَّكَر وَالْأُنْثَى .
مِمَّا
تُنْبِتُ الْأَرْضُ يَعْنِي مِنْ
النَّبَات ; لِأَنَّهُ أَصْنَاف . وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَعْنِي وَخَلَقَ مِنْهُمْ أَوْلَادًا أَزْوَاجًا ذُكُورًا
وَإِنَاثًا . وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ أَيْ مِنْ
أَصْنَاف خَلْقه فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض . ثُمَّ يَجُوز
أَنْ يَكُون مَا يَخْلُقُهُ لَا يَعْلَمهُ الْبَشَر وَتَعْلَمهُ الْمَلَائِكَة .
وَيَجُوز أَلَّا يَعْلَمَهُ مَخْلُوق . وَوَجْه الِاسْتِدْلَال فِي هَذِهِ الْآيَة
أَنَّهُ إِذَا اِنْفَرَدَ بِالْخَلْقِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَك بِهِ
.
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُبْحَان الَّذِي خَلَقَ
الْأَزْوَاج كُلّهَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض وَمِنْ أَنْفُسهمْ وَمِمَّا لَا
يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَنْزِيهًا وَتَبْرِئَة لِلَّذِي خَلَقَ
الْأَلْوَان الْمُخْتَلِفَة كُلّهَا مِنْ نَبَات الْأَرْض , وَمِنْ أَنْفُسهمْ ,
يَقُول : وَخَلَقَ مِنْ أَوْلَادهمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا , وَمِمَّا لَا
يَعْلَمُونَ أَيْضًا مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ يُطْلِعهُمْ عَلَيْهَا , خَلَقَ
كَذَلِكَ أَزْوَاجًا مِمَّا يُضِيف إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ ,
وَيَصِفُونَهُ بِهِ مِنْ الشُّرَكَاء وَغَيْر ذَلِكَ .
}وَآيَةٌ
لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ
مُظْلِمُونَ{
تفسير
ابن كثير : يَقُول تَعَالَى وَمِنْ الدَّلَالَة لَهُمْ عَلَى قُدْرَته تَبَارَكَ
وَتَعَالَى الْعَظِيمَة خَلْق اللَّيْل وَالنَّهَار هَذَا بِظَلَامِهِ وَهَذَا
بِضِيَائِهِ وَجَعْلُهُمَا يَتَعَاقَبَانِ يَجِيء هَذَا فَيَذْهَب هَذَا وَيَذْهَب
هَذَا فَيَجِيء هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار
يَطْلُبهُ حَثِيثًا " وَلِهَذَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ هَهُنَا " وَآيَة لَهُمْ
اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار " أَيْ نَصْرِمهُ مِنْهُ فَيَذْهَب فَيُقْبِل
اللَّيْل وَلِهَذَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " كَمَا
جَاءَ فِي الْحَدِيث " إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْل مِنْ هَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَار
مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْس فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِم " هَذَا هُوَ
الظَّاهِر مِنْ الْآيَة وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " يُولِج
اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِج النَّهَار فِي اللَّيْل " وَقَدْ ضَعَّفَ اِبْن
جَرِير قَوْل قَتَادَة هَهُنَا وَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى الْإِيلَاج الْأَخْذ مِنْ
هَذَا فِي هَذَا وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا فِي هَذِهِ الْآيَة وَهَذَا الَّذِي
قَالَهُ اِبْن جَرِير حَقّ .
تفسير
القرطبي :
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ أَيْ وَعَلَامَة
دَالَّة عَلَى تَوْحِيد اللَّه وَقُدْرَته وَوُجُوب إِلَهِيَّتِهِ . وَالسَّلْخ :
الْكَشْط وَالنَّزْع ; يُقَال : سَلَخَهُ اللَّه مِنْ دِينه , ثُمَّ تُسْتَعْمَل
بِمَعْنَى الْإِخْرَاج . وَقَدْ جَعَلَ ذَهَاب الضَّوْء وَمَجِيء الظُّلْمَة
كَالسَّلْخِ مِنْ الشَّيْء وَظُهُور الْمَسْلُوخ فَهِيَ اِسْتِعَارَة . وَقِيلَ : "
مِنْهُ " بِمَعْنَى عَنْهُ , وَالْمَعْنَى نَسْلَخ عَنْهُ ضِيَاء النَّهَار . فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " مُظْلِمُونَ " دَاخِلُونَ
فِي الظَّلَام ; يُقَال : أَظْلَمْنَا أَيْ دَخَلْنَا فِي ظَلَام اللَّيْل ,
وَأَظْهَرْنَا دَخَلْنَا فِي وَقْت الظُّهْر , وَكَذَلِكَ أَصْبَحْنَا
وَأَضْحَيْنَا وَأَمْسَيْنَا . " فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " أَيْ فِي ظُلْمَة ;
لِأَنَّ ضَوْء النَّهَار يَتَدَاخَل فِي الْهَوَاء فَيُضِيء فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ
أَظْلَمَ .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل
نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
وَدَلِيل لَهُمْ أَيْضًا عَلَى قُدْرَة اللَّه عَلَى فِعْل كُلّ مَا شَاءَ {
اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار } يَقُول : نَنْزِع عَنْهُ النَّهَار .
وَمَعْنَى " مِنْهُ " فِي هَذَا الْمَوْضِع : عَنْهُ , كَأَنَّهُ قِيلَ : نَسْلَخ
عَنْهُ النَّهَار , فَنَأْتِي بِالظُّلْمَةِ وَنَذْهَب بِالنَّهَارِ . وَمِنْهُ
قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ
مِنْهَا } 7 175 : أَيْ خَرَجَ مِنْهَا وَتَرَكَهَا , فَكَذَلِكَ اِنْسِلَاخ
اللَّيْل مِنْ النَّهَار . وَقَوْله : { فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } يَقُول :
فَإِذَا هُمْ قَدْ صَارُوا فِي ظُلْمَة بِمَجِيءِ اللَّيْل . وَقَالَ قَتَادَة فِي
ذَلِكَ مَا : 22287 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد
, عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخ مِنْهُ النَّهَار
فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ } قَالَ : يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار , وَيُولِج
النَّهَار فِي اللَّيْل وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي ,
مِنْ مَعْنَى سَلْخ النَّهَار مِنْ اللَّيْل , بَعِيد ; وَذَلِكَ أَنَّ إِيلَاج
اللَّيْل فِي النَّهَار , إِنَّمَا هُوَ زِيَادَة مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَات هَذَا
فِي سَاعَات الْآخَر , وَلَيْسَ السَّلْخ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْء , لِأَنَّ
النَّهَار يُسْلَخ مِنْ اللَّيْل كُلّه , وَكَذَلِكَ اللَّيْل مِنْ النَّهَار كُلّه
, وَلَيْسَ يُولِج كُلّ اللَّيْل فِي كُلّ النَّهَار , وَلَا كُلّ النَّهَار فِي
كُلّ اللَّيْل .
}وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ{
تفسير
ابن كثير : وَقَوْله جَلَّ جَلَاله " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا
ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " فِي مَعْنَى قَوْله " لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا "
قَوْلَانِ أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد مُسْتَقَرّهَا الْمَكَانِيّ وَهُوَ تَحْت
الْعَرْش مِمَّا يَلِي الْأَرْض فِي ذَلِكَ الْجَانِب وَهِيَ أَيْنَمَا كَانَتْ
فَهِيَ تَحْت الْعَرْش وَجَمِيع الْمَخْلُوقَات لِأَنَّهُ سَقْفهَا وَلَيْسَ
بِكُرَةٍ كَمَا يَزْعُمهُ كَثِير مِنْ أَرْبَاب الْهَيْئَة وَإِنَّمَا هُوَ قُبَّة
ذَات قَوَائِم تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة وَهُوَ فَوْق الْعَالَم مِمَّا يَلِي رُءُوس
النَّاس فَالشَّمْس إِذَا كَانَتْ فِي قُبَّة الْفَلَك وَقْت الظَّهِيرَة تَكُون
أَقْرَب مَا تَكُون إِلَى الْعَرْش فَإِذَا اِسْتَدَارَتْ فِي فَلَكهَا الرَّابِع
إِلَى مُقَابَلَة هَذَا الْمَقَام وَهُوَ وَقْت نِصْف اللَّيْل صَارَتْ أَبْعَد مَا
تَكُون إِلَى الْعَرْش فَحِينَئِذٍ تَسْجُد وَتَسْتَأْذِن فِي الطُّلُوع كَمَا
جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيث قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم
حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كُنْت مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد عِنْد غُرُوب الشَّمْس فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُب الشَّمْس ؟ " قُلْت اللَّه
وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . " فَإِنَّهَا تَذْهَب
حَتَّى تَسْجُد تَحْت الْعَرْش فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَالشَّمْس تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " حَدَّثَنَا عَبْد
اللَّه بْن الزُّبَيْر الْحُمَيْدِيّ حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ
إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ
: سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَبَارَكَ
وَتَعَالَى : " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " قَالَ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مُسْتَقَرُّهَا تَحْت الْعَرْش " هَكَذَا أَوْرَدَهُ هَهُنَا
وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي أَمَاكِن مُتَعَدِّدَة وَرَوَاهُ بَقِيَّة الْجَمَاعَة
إِلَّا اِبْن مَاجَهْ مِنْ طُرُق عَنْ الْأَعْمَش بِهِ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ كُنْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد حِين غَرَبَتْ الشَّمْس فَقَالَ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا أَبَا ذَرّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب الشَّمْس ؟ " قُلْت
اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّهَا
تَذْهَب حَتَّى تَسْجُد بَيْن يَدَيْ رَبّهَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَسْتَأْذِن فِي
الرُّجُوع فَيُؤْذَن لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ
جِئْت فَتَرْجِع إِلَى مَطْلِعهَا وَذَلِكَ مُسْتَقَرّهَا " ثُمَّ قَرَأَ "
وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ
الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي ذَرّ حِين غَرَبَتْ الشَّمْس " أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب ؟ " قُلْت اللَّه
وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَإِنَّهَا تَذْهَب
حَتَّى تَسْجُد تَحْت الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَن لَهَا وَيُوشِك أَنْ
تَسْجُد فَلَا يُقْبَل مِنْهَا وَتَسْتَأْذِن فَلَا يُؤْذَن لَهَا وَيُقَال لَهَا
اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :
" وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " .
وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ وَهْب بْن
جَابِر عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ فِي قَوْله
تَعَالَى : " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " قَالَ إِنَّ الشَّمْس
تَطْلُع فَتَرُدّهَا ذُنُوب بَنِي آدَم حَتَّى إِذَا غَرَبَتْ سَلَّمَتْ وَسَجَدَتْ
وَاسْتَأْذَنَتْ فَيُؤْذَن لَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم غَرَبَتْ فَسَلَّمَتْ
وَسَجَدَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فَلَا يُؤْذَن لَهَا فَتَقُول إِنَّ الْمَسِير بَعِيد
وَإِنِّي إِنْ لَا يُؤْذَن لِي لَا أَبْلُغ فَتُحْبَس مَا شَاءَ اللَّه أَنْ
تُحْبَس ثُمَّ يُقَال لَهَا اُطْلُعِي مِنْ حَيْثُ غَرَبْت قَالَ فَمِنْ يَوْمئِذٍ
إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يَنْفَع نَفْسًا إِيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
قَبْل أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانهَا خَيْرًا وَقِيلَ الْمُرَاد بِمُسْتَقَرِّهَا
هُوَ اِنْتِهَاء سَيْرهَا وَهُوَ غَايَة اِرْتِفَاعهَا فِي السَّمَاء فِي الصَّيْف
وَهُوَ أَوْجهَا ثُمَّ غَايَة اِنْخِفَاضهَا فِي الشِّتَاء وَهُوَ الْحَضِيض "
وَالْقَوْل الثَّانِي " أَنَّ الْمُرَاد بِمُسْتَقَرِّهَا هُوَ مُنْتَهَى سَيْرهَا
وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَبْطُل سَيْرهَا وَتَسْكُن حَرَكَتهَا وَتُكَوَّر
وَيَنْتَهِي هَذَا الْعَالَم إِلَى غَايَته وَهَذَا هُوَ مُسْتَقَرّهَا
الزَّمَانِيّ قَالَ قَتَادَة " لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " أَيْ لِوَقْتِهَا وَلِأَجَلٍ
لَا تَعْدُوهُ وَقِيلَ الْمُرَاد أَنَّهَا لَا تَزَال تَنْتَقِل فِي مَطَالِعهَا
الصَّيْفِيَّة إِلَى مُدَّة لَا تَزِيد عَلَيْهَا ثُمَّ تَنْتَقِل فِي مَطَالِع
الشِّتَاء إِلَى مُدَّة لَا تَزِيد عَلَيْهَا يُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن
عَمْرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِيَ
اللَّه عَنْهُمْ " وَالشَّمْس تَجْرِي لَا مُسْتَقَرّ لَهَا " أَيْ لَا قَرَار
لَهَا وَلَا سُكُون بَلْ هِيَ سَائِرَة لَيْلًا وَنَهَارًا لَا تَفْتُر وَلَا تَقِف
كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْس وَالْقَمَر
دَائِبَيْنِ " أَيْ لَا يَفْتُرَانِ وَلَا يَقِفَانِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة "
ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز " أَيْ الَّذِي لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع " الْعَلِيم
" بِجَمِيعِ الْحَرَكَات وَالسَّكَنَات وَقَدْ قَدَّرَ ذَلِكَ وَوَقَّتَهُ عَلَى
مِنْوَال لَا اِخْتِلَاف فِيهِ وَلَا تَعَاكُس كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " فَالِق
الْإِصْبَاح وَجَعَلَ اللَّيْل سَكَنًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حُسْبَانًا ذَلِكَ
تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " وَهَكَذَا خَتَمَ آيَة حم السَّجْدَة بِقَوْلِهِ
تَعَالَى : " ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " .
تفسير
القرطبي وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ
لَهَا يَجُوز أَنْ يَكُون تَقْدِيره وَآيَة لَهُمْ الشَّمْس .
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الشَّمْس " مَرْفُوعًا بِإِضْمَارِ فِعْل يُفَسِّرهُ
الثَّانِي . وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ " تَجْرِي " فِي
مَوْضِع الْخَبَر أَيْ جَارِيَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ :
سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ
: " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " قَالَ : ( مُسْتَقَرُّهَا تَحْت
الْعَرْشِ ) . وَفِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا : ( أَتَدْرُونَ أَيْنَ تَذْهَب هَذِهِ الشَّمْس ) ؟
قَالُوا اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : ( إِنَّ هَذِهِ تَجْرِي حَتَّى
تَنْتَهِي إِلَى مُسْتَقَرّهَا تَحْت الْعَرْش فَتَخِرُّ سَاجِدَة فَلَا تَزَال
كَذَلِكَ حَتَّى يُقَال لَهَا اِرْتَفِعِي اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَرْجِع
فَتُصْبِح طَالِعَة مِنْ مَطْلِعهَا ثُمَّ تَجْرِي حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى
مُسْتَقَرّهَا تَحْت الْعَرْش فَتَخِرّ سَاجِدَة وَلَا تَزَال كَذَلِكَ حَتَّى
يُقَال لَهَا اِرْتَفِعِي اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَرْجِع فَتُصْبِح
طَالِعَة مِنْ مَطْلِعهَا ثُمَّ تَجْرِي لَا يَسْتَنْكِر النَّاس مِنْهَا شَيْئًا
حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى مُسْتَقَرّهَا ذَاكَ تَحْت الْعَرْش فَيُقَال لَهَا
اِرْتَفِعِي أَصْبِحِي طَالِعَة مِنْ مَغْرِبك فَتُصْبِح طَالِعَة مِنْ مَغْرِبِهَا
) فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَدْرُونَ مَتَى
ذَلِكُمْ ذَاكَ حِين " لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ
قَبْل أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانهَا خَيْرًا " [ الْأَنْعَام : 158 ] ) . وَلَفْظ
الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرّ حِين غَرَبَتْ الشَّمْس : ( تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب ) قُلْت
اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : ( فَإِنَّهَا تَذْهَب حَتَّى تَسْجُد تَحْت
الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَن لَهَا وَيُوشِك أَنْ تَسْجُد فَلَا يُقْبَل
مِنْهَا وَتَسْتَأْذِن فَلَا يُؤْذَن لَهَا يُقَال لَهَا اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ
جِئْت فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبهَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَالشَّمْس تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " ) . وَلَفْظ
التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ : دَخَلْت الْمَسْجِد حِين غَابَتْ الشَّمْس ,
وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا أَبَا ذَرّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب هَذِهِ )
قَالَ قُلْت : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم ; قَالَ : ( فَإِنَّهَا تَذْهَب
فَتَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُود فَيُؤْذَن لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا
اُطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا ) قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ "
ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا " قَالَ وَذَلِكَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه . قَالَ أَبُو
عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَقَالَ عِكْرِمَة : إِنَّ الشَّمْس إِذَا
غَرَبَتْ دَخَلَتْ مِحْرَابًا تَحْت الْعَرْش تُسَبِّح اللَّه حَتَّى تُصْبِح ,
فَإِذَا أَصْبَحَتْ اِسْتَعْفَتْ رَبّهَا مِنْ الْخُرُوج فَيَقُول لَهَا الرَّبّ :
وَلِمَ ذَاكَ ؟ قَالَتْ : إِنِّي إِذَا خَرَجْت عُبِدْت مِنْ دُونِك . فَيَقُول
الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : اُخْرُجِي فَلَيْسَ عَلَيْك مِنْ ذَاكَ شَيْء ,
سَأَبْعَثُ إِلَيْهِمْ جَهَنَّم مَعَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَك يَقُودُونَهَا حَتَّى
يُدْخِلُوهُمْ فِيهَا . وَقَالَ الْكَلْبِيّ وَغَيْره : الْمَعْنَى تَجْرِي إِلَى
أَبْعَد مَنَازِلهَا فِي الْغُرُوب , ثُمَّ تَرْجِع إِلَى أَدْنَى مَنَازِلهَا ;
فَمُسْتَقَرُّهَا بُلُوغهَا الْمَوْضِع الَّذِي لَا تَتَجَاوَزهُ بَلْ تَرْجِع
مِنْهُ ; كَالْإِنْسَانِ يَقْطَع مَسَافَة حَتَّى يَبْلُغ أَقْصَى مَقْصُوده
فَيَقْضِي وَطَرَهُ , ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مَنْزِلِهِ الْأَوَّل الَّذِي اِبْتَدَأَ
مِنْهُ سَفَره . وَعَلَى تَبْلِيغ الشَّمْس أَقْصَى مَنَازِلهَا , وَهُوَ
مُسْتَقَرّهَا إِذَا طَلَعَتْ الْهَنْعَة , وَذَلِكَ الْيَوْم أَطْوَل الْأَيَّام
فِي السَّنَة , وَتِلْك اللَّيْلَة أَقْصَر اللَّيَالِي , فَالنَّهَار خَمْس
عَشْرَة سَاعَة وَاللَّيْل تِسْع سَاعَات , ثُمَّ يَأْخُذ فِي النُّقْصَان
وَتَرْجِع الشَّمْس , فَإِذَا طَلَعَتْ الثُّرَيَّا اِسْتَوَى اللَّيْل وَالنَّهَار
, وَكُلّ وَاحِد ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً , ثُمَّ تَبْلُغ أَدْنَى مَنَازِلهَا
وَتَطْلُع النَّعَائِم , وَذَلِكَ الْيَوْم أَقْصَر الْأَيَّام , وَاللَّيْل خَمْسَ
عَشْرَةَ سَاعَة , حَتَّى إِذَا طَلَعَ فَرْغ الدَّلْو الْمُؤَخَّر اِسْتَوَى
اللَّيْل وَالنَّهَار , فَيَأْخُذ اللَّيْل مِنْ النَّهَار كُلّ يَوْم عُشْر ثُلُث
سَاعَة , وَكُلّ عَشَرَة أَيَّام ثُلُث سَاعَة , وَكُلّ شَهْر سَاعَة تَامَّة ,
حَتَّى يَسْتَوِيَا وَيَأْخُذ اللَّيْل حَتَّى يَبْلُغ خَمْس عَشْرَة سَاعَة ,
وَيَأْخُذ النَّهَار مِنْ اللَّيْل كَذَلِكَ . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّ لِلشَّمْسِ
فِي السَّنَة ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَطْلِعًا , تَنْزِل فِي كُلّ يَوْم
مَطْلِعًا , ثُمَّ لَا تَنْزِلهُ إِلَى الْحَوْل ; فَهِيَ تَجْرِي فِي تِلْكَ
الْمَنَازِل وَهِيَ مُسْتَقَرّهَا . وَهُوَ مَعْنَى الَّذِي قَبْله سَوَاء .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا إِذَا غَرَبَتْ وَانْتَهَتْ إِلَى الْمَوْضِع
الَّذِي لَا تَتَجَاوَزهُ اِسْتَقَرَّتْ تَحْت الْعَرْش إِلَى أَنْ تَطْلُع . قُلْت
: مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس يَجْمَع الْأَقْوَال فَتَأَمَّلْهُ . وَقِيلَ : إِلَى
اِنْتِهَاء أَمَدِهَا عِنْد اِنْقِضَاء الدُّنْيَا وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَابْن
عَبَّاس " وَالشَّمْس تَجْرِي لَا مُسْتَقَرَّ لَهَا " أَيْ إِنَّهَا تَجْرِي فِي
اللَّيْل وَالنَّهَار لَا وُقُوف لَهَا وَلَا قَرَار , إِلَى أَنْ يُكَوِّرَهَا
اللَّه يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ الْمُصْحَف فَقَالَ :
أَنَا أَقْرَأ بِقِرَاءَةِ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . قَالَ أَبُو بَكْر
الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا بَاطِل مَرْدُود عَلَى مَنْ نَقَلَهُ ; لِأَنَّ أَبَا
عَمْرو رَوَى عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَابْن كَثِير رَوَى عَنْ
مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " فَهَذَانِ
السَّنَدَانِ عَنْ اِبْن عَبَّاس اللَّذَانِ يَشْهَد بِصِحَّتِهِمَا الْإِجْمَاع
يُبْطِلَانِ مَا رُوِيَ بِالسَّنَدِ الضَّعِيف مِمَّا يُخَالِف مَذْهَب
الْجَمَاعَة , وَمَا اِتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّة . قُلْت : وَالْأَحَادِيث
الثَّابِتَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَرُدّ قَوْلَهُ , فَمَا أَجْرَأَهُ عَلَى كِتَاب
اللَّه , قَاتَلَهُ اللَّه . وَقَوْله : " لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " أَيْ إِلَى
مُسْتَقَرِّهَا , وَالْمُسْتَقَرّ مَوْضِع الْقَرَار .
ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيْ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْر
اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس تَقْدِير " الْعَزِيز الْعَلِيم "
.
تفسير
الطبري
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا وَقَوْله : {
وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالشَّمْس
تَجْرِي لِمَوْضِعِ قَرَارهَا , بِمَعْنَى : إِلَى مَوْضِع قَرَارهَا ; وَبِذَلِكَ
جَاءَ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر
الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 22288 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن
نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ ,
عَنْ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ , قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِد , فَلَمَّا غَرُبَتْ الشَّمْس , قَالَ :
" وَيَا أَبَا ذَرّ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب الشَّمْس ؟ " قُلْت : اللَّه
وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : " فَإِنَّهَا تَذْهَب فَتَسْجُد بَيْن يَدَيْ رَبّهَا
, ثُمَّ تَسْتَأْذِن بِالرُّجُوعِ فَيُؤْذَن لَهَا , وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا
اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت , فَتَطْلُع مِنْ مَكَانهَا , وَذَلِكَ مُسْتَقَرّهَا
" وَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ بِمَا : 22289 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا
يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَالشَّمْس تَجْرِي
لِمُسْتَقَرّ لَهَا } قَالَ : وَقْت وَاحِد لَا تَعْدُوهُ وَقَالَ آخَرُونَ :
مَعْنَى ذَلِكَ : تَجْرِي لِمَجْرًى لَهَا إِلَى مَقَادِير مَوَاضِعهَا , بِمَعْنَى
: أَنَّهَا تَجْرِي إِلَى أَبْعَد مَنَازِلهَا فِي الْغُرُوب , ثُمَّ تَرْجِع وَلَا
تُجَاوِزهُ. قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَزَال تَتَقَدَّم كُلّ لَيْلَة
حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى أَبْعَد مَغَارِبهَا ثُمَّ تَرْجِع .
ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَقَوْله : { ذَلِكَ
تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي وَصَفْنَا مِنْ جَرْي
الشَّمْس لِمُسْتَقَرّ لَهَا , تَقْدِير الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ
أَعْدَائِهِ , الْعَلِيم بِمَصَالِح خَلْقه , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاء
كُلّهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة .
}وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ{
تفسير
ابن كثير : ثُمَّ قَالَ جَلَّ وَعَلَا " وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل "
أَيْ جَعَلْنَاهُ يَسِير سَيْرًا آخَر يُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى مُضِيّ الشُّهُور
كَمَا أَنَّ الشَّمْس يُعْرَف بِهَا اللَّيْل وَالنَّهَار كَمَا قَالَ عَزَّ
وَجَلَّ " يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَوَاقِيت لِلنَّاسِ وَالْحَجّ
" . وَقَالَ تَعَالَى : " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نُورًا
وَقَدَّرَهُ مَنَازِل لِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب " الْآيَة وَقَالَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا
آيَة اللَّيْل وَجَعَلْنَا آيَة النَّهَار مُبْصِرَة لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ
رَبّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَاب وَكُلّ شَيْء فَصَّلْنَاهُ
تَفْصِيلًا " فَجَعَلَ الشَّمْس لَهَا ضَوْء يَخُصّهَا وَالْقَمَر لَهُ نُور
يَخُصّهُ وَفَاوَتَ بَيْن سَيْر هَذِهِ وَهَذَا فَالشَّمْس تَطْلُع كُلّ يَوْم
وَتَغْرُب فِي آخِره عَلَى ضَوْء وَاحِد وَلَكِنْ تَنْتَقِل فِي مَطَالِعهَا
وَمَغَارِبهَا صَيْفًا وَشِتَاء يَطُول بِسَبَبِ ذَلِكَ النَّهَار وَيَقْصُر
اللَّيْل ثُمَّ يَطُول اللَّيْل وَيَقْصُر النَّهَار وَجَعَلَ سُلْطَانهَا
بِالنَّهَارِ فَهِيَ كَوْكَب نَهَارِيّ وَأَمَّا الْقَمَر فَقَدَّرَهُ مَنَازِل
يَطْلُع فِي أَوَّل لَيْلَة مِنْ الشَّهْر ضَئِيلًا قَلِيل النُّور ثُمَّ يَزْدَاد
نُورًا فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وَيَرْتَفِع مَنْزِلَة ثُمَّ كُلَّمَا
اِرْتَفَعَ اِزْدَادَ ضِيَاء وَإِنْ كَانَ مُقْتَبَسًا مِنْ الشَّمْس حَتَّى
يَتَكَامَل نُوره فِي اللَّيْلَة الرَّابِعَة عَشْرَة ثُمَّ يَشْرَع فِي النَّقْص
إِلَى آخِر الشَّهْر حَتَّى يَصِير كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم . قَالَ اِبْن عَبَّاس
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَهُوَ أَصْل الْعِذْق . وَقَالَ مُجَاهِد الْعُرْجُون
الْقَدِيم أَيْ الْعِذْق الْيَابِس يَعْنِي اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
أَصْل الْعُنْقُود مِنْ الرُّطَب إِذَا عَتُقَ وَيَبِسَ وَانْحَنَى وَكَذَا قَالَ
غَيْرهمَا ثُمَّ بَعْد هَذَا يُبْدِيه اللَّه تَعَالَى جَدِيدًا فِي أَوَّل
الشَّهْر الْآخِر وَالْعَرَب تُسَمِّي كُلّ ثَلَاث لَيَالٍ مِنْ الشَّهْر بِاسْمٍ
بِاعْتِبَارِ الْقَمَر فَيُسَمُّونَ الثَّلَاث الْأُوَل غُرَر وَاَللَّوَاتِي
بَعْدهَا نُقَل وَاَللَّوَاتِي بَعْدهَا تُسَع لِأَنَّ أُخْرَاهُنَّ التَّاسِعَة
وَاَللَّوَاتِي بَعْدهَا عُشَر لِأَنَّ أُولَاهُنَّ الْعَاشِرَة وَاَللَّوَاتِي
بَعْدهَا الْبِيض لِأَنَّ ضَوْء الْقَمَر فِيهِنَّ إِلَى آخِرهنَّ وَاَللَّوَاتِي
بَعْدهنَّ دُرَع جَمَعَ دَرْعَاء لِأَنَّ أَوَّلهنَّ أَسْوَد لِتَأَخُّرِ الْقَمَر
فِي أَوَّلهنَّ مِنْهُ وَمِنْهُ الشَّاة الدَّرْعَاء وَهِيَ الَّتِي رَأْسهَا
أَسْوَد وَبَعْدهنَّ ثَلَاث ظُلَم ثُمَّ ثَلَاث حَنَادِس وَثَلَاث دَآدِيّ وَثَلَاث
مِحَاق لِانْمِحَاقِ الْقَمَر أَوْ الشَّهْر فِيهِنَّ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُنْكِر التُّسَع وَالْعُشَر . كَذَا قَالَ فِي كِتَاب غَرِيب
الْمُصَنَّف .
تفسير
القرطبي وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ " وَالْقَمَر "
يَكُون تَقْدِيره وَآيَة لَهُمْ الْقَمَر . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " وَالْقَمَر "
مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " وَالْقَمَرَ " بِالنَّصْبِ
عَلَى إِضْمَار فِعْل وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد . قَالَ : لِأَنَّ قَبْلَهُ
فِعْلًا وَبَعْدَهُ فِعْلًا ; قَبْله " نَسْلَخ " وَبَعْده " قَدَّرْنَاهُ " .
النَّحَّاس : وَأَهْل الْعَرَبِيَّة جَمِيعًا فِيمَا عَلِمْت عَلَى خِلَاف مَا
قَالَ : مِنْهُمْ الْفَرَّاء قَالَ : الرَّفْع أَعْجَبُ إِلَيَّ , وَإِنَّمَا كَانَ
الرَّفْع عِنْدهمْ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى مَا قَبْله وَمَعْنَاهُ
وَآيَة لَهُمْ الْقَمَر . وَقَوْله : إِنَّ قَبْله " نَسْلَخ " فَقَبْله مَا هُوَ
أَقْرَب مِنْهُ وَهُوَ " تَجْرِي " وَقَبْله " وَالشَّمْس " بِالرَّفْعِ .
وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَعْده وَهُوَ " قَدَّرْنَاهُ " قَدْ عَمِلَ فِي الْهَاء .
قَالَ أَبُو حَاتِم : الرَّفْع أَوْلَى ; لِأَنَّك شَغَلْت الْفِعْل عَنْهُ
بِالضَّمِيرِ فَرَفَعْته بِالِابْتِدَاءِ . وَيُقَال : الْقَمَر لَيْسَ هُوَ
الْمَنَازِل فَكَيْف قَالَ : " قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل " فَفِي هَذَا جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا قَدَّرْنَاهُ إِذًا مَنَازِل ; مِثْل : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [
يُوسُف : 82 ] . وَالتَّقْدِير الْآخَر قَدَّرْنَا لَهُ مَنَازِلَ ثُمَّ حُذِفَتْ
اللَّام , وَكَانَ حَذْفهَا حَسَنًا لِتَعَدِّي الْفِعْل إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِثْل
" وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا " [ الْأَعْرَاف : 155 ] .
وَالْمَنَازِل ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا , يَنْزِل الْقَمَر كُلّ لَيْلَة
مِنْهَا بِمَنْزِلٍ ; وَهِيَ : الشَّرَطَانِ . الْبُطَيْن . الثُّرَيَّا .
الدَّبَرَان . الْهَقْعَة . الْهَنْعَة . الذِّرَاع . النَّثْرَة . الطَّرْف .
الْجَبْهَة . الْخَرَاتَان . الصُّرْفَة . الْعَوَّاء . السِّمَاك . الْغَفْر .
الزُّبَانَيَان . الْإِكْلِيل . الْقَلْب . الشَّوْلَة . النَّعَائِم . الْبَلَدَّة
. سَعْد الذَّابِح . سَعْد بُلَع . سَعْد السُّعُود . سَعْد الْأَخْبِيَة .
الْفَرْغ الْمُقَدَّم . الْفَرْغ الْمُؤَجَّر . بَطْن الْحُوت . فَإِذَا صَارَ
الْقَمَر فِي آخِرهَا عَادَ إِلَى أَوَّلِهَا , فَيَقْطَع الْفَلَك فِي ثَمَان
وَعِشْرِينَ لَيْلَة . ثُمَّ يَسْتَسِرّ ثُمَّ يَطْلُع هِلَالًا , فَيَعُود فِي
قَطْع الْفَلَك عَلَى الْمَنَازِل , وَهِيَ مُنْقَسِمَة عَلَى الْبُرُوج لِكُلِّ
بُرْج مَنْزِلَانِ وَثُلُث . فَلِلْحَمَلِ الشَّرَطَانِ وَالْبُطَيْن وَثُلُث
الثُّرَيَّا , وَلِلثَّوْرِ ثُلُثَا الثُّرَيَّا وَالدَّبَرَان وَثُلُثَا
الْهَقْعَة , ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى سَائِرهَا . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْحِجْر ]
تَسْمِيَة الْبُرُوج وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ
الشَّمْس وَالْقَمَر مِنْ نَار ثُمَّ كُسِيَا النُّور عِنْد الطُّلُوع , فَأَمَّا
نُور الشَّمْس فَمِنْ نُور الْعَرْش , وَأَمَّا نُور الْقَمَر فَمِنْ نُور
الْكُرْسِيّ , فَذَلِكَ أَصْل الْخِلْقَة وَهَذِهِ الْكِسْوَة . فَأَمَّا الشَّمْس
فَتُرِكَتْ كِسْوَتهَا عَلَى حَالهَا لِتُشَعْشِع وَتُشْرِق , وَأَمَّا الْقَمَر
فَأَمَرَّ الرُّوح الْأَمِينُ جَنَاحَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَمَحَا ضَوْأَهُ
بِسُلْطَانِ الْجَنَاح , وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوح وَالرُّوح سُلْطَانُهُ غَالِب عَلَى
الْأَشْيَاء . فَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَحْو عَلَى مَا يَرَاهُ الْخَلْق , ثُمَّ جُعِلَ
فِي غِلَاف مِنْ مَاء , ثُمَّ جُعِلَ لَهُ مَجْرًى , فَكُلّ لَيْلَة يَبْدُو
لِلْخَلْقِ مِنْ ذَلِكَ الْغِلَاف قَمَرًا بِمِقْدَارِ مَا يُقْمَر لَهُمْ حَتَّى
يَنْتَهِي بَدْؤُهُ , وَيَرَاهُ الْخَلْق بِكَمَالِهِ وَاسْتِدَارَتِهِ . ثُمَّ لَا
يَزَال يَعُود إِلَى الْغِلَاف كُلّ لَيْلَة شَيْء مِنْهُ فَيَنْقُص مِنْ
الرُّؤْيَة وَالْإِقْمَار بِمِقْدَارِ مَا زَادَ فِي الْبَدْء . وَيَبْتَدِئ فِي
النُّقْصَان مِنْ النَّاحِيَة الَّتِي لَا تَرَاهُ الشَّمْس وَهِيَ نَاحِيَة
الْغُرُوب حَتَّى يَعُود كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم , وَهُوَ الْعِذْق الْمُتَقَوِّس
لِيُبْسِهِ وَدِقَّتِهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ الْقَمَر ; لِأَنَّهُ يُقْمِر أَيْ
يُبَيِّضُ الْجَوّ بِبَيَاضِهِ إِلَى أَنْ يَسْتَسِرَّ .
حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ قَالَ الزَّجَّاج : هُوَ عُود
الْعِذْق الَّذِي عَلَيْهِ الشَّمَارِيخ , وَهُوَ فُعْلُون مِنْ الِانْعِرَاج
وَهُوَ الِانْعِطَاف , أَيْ سَارَ فِي مَنَازِله , فَإِذَا كَانَ فِي آخِرهَا دَقَّ
وَاسْتَقْوَسَ وَضَاقَ حَتَّى صَارَ كَالْعُرْجُونِ . وَعَلَى هَذَا فَالنُّون
زَائِدَة . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ الْعِذْق الْيَابِس الْمُنْحَنِي مِنْ
النَّخْلَة . ثَعْلَب : " كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم " قَالَ : " الْعُرْجُون "
الَّذِي يَبْقَى مِنْ الْكِبَاسَة فِي النَّخْلَة إِذَا قُطِعَتْ , وَ " الْقَدِيم
" الْبَالِي . الْخَلِيل : فِي بَاب الرُّبَاعِيّ " الْعُرْجُون " أَصْل الْعِذْق
وَهُوَ أَصْفَر عَرِيض يُشَبَّهُ بِهِ الْهِلَال إِذَا اِنْحَنَى . الْجَوْهَرِيّ :
" الْعُرْجُون " أَصْل الْعِذْق الَّذِي يَعْوَجُّ وَتُقْطَع مِنْهُ الشَّمَارِيخ
فَيَبْقَى عَلَى النَّخْل يَابِسًا ; وَعَرْجَنَهُ : ضَرَبَهُ بِالْعُرْجُونِ .
فَالنُّون عَلَى قَوْل هَؤُلَاءِ أَصْلِيَّة ; وَمِنْهُ شِعْر أَعْشَى بَنِي قَيْس
: شَرَقُ الْمِسْكِ وَالْعَبِيرِ بِهَا فَهْيَ صَفْرَاءُ كَعُرْجُونِ الْقَمَرْ
فَالْعُرْجُون إِذَا عَتَقَ وَيَبِسَ وَتَقَوَّسَ شُبِّهَ الْقَمَر فِي دِقَّتِهِ
وَصُفْرَتِهِ بِهِ . وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الْإِهَان وَالْكِبَاسَة وَالْقِنْو ,
وَأَهْل مِصْر يُسَمُّونَهُ الْإِسْبَاطَة . وَقُرِئَ : " الْعِرْجَوْن " بِوَزْنِ
الْفِرْجَوْن وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْبُزْيُون وَالْبِزْيَوْن ; ذَكَرَهُ
الزَّمَخْشَرِيّ وَقَالَ : هُوَ عُود الْعِذْق مَا بَيْن شَمَارِيخِهِ إِلَى
مَنْبَتِهِ مِنْ النَّخْلَة . وَاعْلَمْ أَنَّ السَّنَة مُنْقَسِمَة عَلَى
أَرْبَعَة فُصُول , لِكُلِّ فَصْل سَبْعَة مَنَازِل : فَأَوَّلهَا الرَّبِيع ,
وَأَوَّله خَمْسَة عَشَر يَوْمًا مِنْ آذَار , وَعَدَد أَيَّامه اِثْنَانِ
وَتِسْعُونَ يَوْمًا ; تَقْطَع فِيهِ الشَّمْس ثَلَاثَة بُرُوج : الْحَمَل ,
وَالثَّوْر , وَالْجَوْزَاء , وَسَبْعَة مَنَازِل : الشَّرَطَان وَالْبُطَيْن
وَالثُّرَيَّا وَالدَّبَرَان وَالْهَقْعَة وَالْهَنْعَة وَالذِّرَاع . ثُمَّ
يَدْخُل فَصْل الصَّيْف فِي خَمْسَة عَشَر يَوْمًا مِنْ حُزَيْرَان , وَعَدَد
أَيَّامه اِثْنَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا ; تَقْطَع الشَّمْس فِيهِ ثَلَاثَة بُرُوج
: الشَّرَطَان , وَالْأَسَد , وَالسُّنْبُلَة , وَسَبْعَة مَنَازِل : وَهِيَ
النَّثْرَة وَالطَّرْف وَالْجَبْهَة وَالْخَرَاتَان وَالصُّرْفَة وَالْعَوَّاء
وَالسِّمَاك . ثُمَّ يَدْخُل فَصْل الْخَرِيف فِي خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا مِنْ
أَيْلُول , وَعَدَد أَيَّامه أَحَد وَتِسْعُونَ يَوْمًا , تَقْطَع فِيهِ الشَّمْس
ثَلَاثَة بُرُوج ; وَهِيَ الْمِيزَان , وَالْعَقْرَب , وَالْقَوْس , وَسَبْعَة
مَنَازِل الْغَفْر وَالزُّبَانَان وَالْإِكْلِيل وَالْقَلْب وَالشَّوْلَة
وَالنَّعَائِم وَالْبَلَدَّة . ثُمَّ يَدْخُل فَصْل الشِّتَاء فِي خَمْسَة عَشَر
يَوْمًا مِنْ كَانُون الْأَوَّل , وَعَدَد أَيَّامه تِسْعُونَ يَوْمًا وَرُبَّمَا
كَانَ أَحَدًا وَتِسْعِينَ يَوْمًا , تَقْطَع فِيهِ الشَّمْس ثَلَاثَة بُرُوج :
وَهِيَ الْجَدْي وَالدَّلْو وَالْحُوت , وَسَبْعَة مَنَازِل سَعْد الذَّابِح
وَسَعْد بُلَع وَسَعْد السُّعُود وَسَعْد الْأَخْبِيَة وَالْفَرْغ الْمُقَدَّم ,
وَالْفَرْغ الْمُؤَخَّر وَبَطْن الْحُوت . وَهَذِهِ قِسْمَة السُّرْيَانِيِّينَ
لِشُهُورِهَا : تِشْرِين الْأَوَّل , تِشْرِين الثَّانِي , كَانُون الْأَوَّل ,
كَانُون الثَّانِي , أَشْبَاط , آذَار , نِيسَان , أَيَار , حُزَيْرَان , تَمُّوز ,
آب , أَيْلُول , وَكُلّهَا أَحَد وَثَلَاثُونَ إِلَّا تِشْرِين الثَّانِي وَنِيسَان
وَحُزَيْرَان وَأَيْلُول , فَهِيَ ثَلَاثُونَ , وَأَشْبَاط ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ
يَوْمًا وَرُبُع يَوْم . وَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنْ تَنْظُر فِي قُدْرَة
اللَّه تَعَالَى : فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل
" فَإِذَا كَانَتْ الشَّمْس فِي مَنْزِل أَهْل الْهِلَال بِالْمَنْزِلِ الَّذِي
بَعْده , وَكَانَ الْفَجْر بِمَنْزِلَتَيْنِ مِنْ قَبْله . فَإِذَا كَانَتْ
الشَّمْس بِالثُّرَيَّا فِي خَمْسَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ نِيسَان , كَانَ
الْفَجْر بِالشَّرَطَيْنِ , وَأَهْل الْهِلَال بِالدَّبَرَانِ , ثُمَّ يَكُون لَهُ
فِي كُلّ لَيْلَة مَنْزِلَة حَتَّى يَقْطَع فِي ثَمَان وَعِشْرِينَ لَيْلَة
ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ مَنْزِلَة . وَقَدْ قَطَعَتْ الشَّمْس مَنْزِلَتَيْنِ
فَيَقْطَعُهُمَا , ثُمَّ يَطْلُع فِي الْمَنْزِلَة الَّتِي بَعْد مَنْزِلَة
الشَّمْس فَـ " ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم " . " الْقَدِيم " قَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ : الْقَدِيم الْمَحْوِل وَإِذَا قَدُمَ دَقَّ وَانْحَنَى
وَاصْفَرَّ فَشُبِّهَ الْقَمَر بِهِ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه . وَقِيلَ : أَقَلّ
عِدَّة الْمَوْصُوف بِالْقَدِيمِ الْحَوْل , فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : كُلّ
مَمْلُوك لِي قَدِيم فَهُوَ حُرّ , أَوْ كَتَبَ ذَلِكَ فِي وَصِيَّته عَتَقَ مَنْ
مَضَى لَهُ حَوْل أَوْ أَكْثَر . قُلْت : قَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] مَا
يَتَرَتَّب عَلَى الْأَهِلَّة مِنْ الْأَحْكَام وَالْحَمْد لِلَّهِ
.
تفسير
الطبري وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيمِ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ
مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي
قِرَاءَة قَوْله : { وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل } فَقَرَأَهُ بَعْض
الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَالْقَمَرُ "
رَفْعًا عَطْفًا بِهَا عَلَى الشَّمْس , إِذْ كَانَتْ الشَّمْس مَعْطُوفَة عَلَى
اللَّيْل , فَأَتْبَعُوا الْقَمَر أَيْضًا الشَّمْس فِي الْإِعْرَاب , لِأَنَّهُ
أَيْضًا مِنْ الْآيَات , كَمَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَانِ , فَعَلَى هَذِهِ
الْقِرَاءَة تَأْوِيل الْكَلَام : وَآيَة لَهُمْ الْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل .
وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض
الْبَصْرِيِّينَ , وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة نَصْبًا : { وَالْقَمَر
قَدَّرْنَاهُ } بِمَعْنَى : وَقَدَّرْنَا الْقَمَر مَنَازِل , كَمَا فَعَلْنَا
ذَلِكَ بِالشَّمْسِ , فَرَدُّوهُ عَلَى الْهَاء مِنْ الشَّمْس فِي الْمَعْنَى ,
لِأَنَّ الْوَاو الَّتِي فِيهَا لِلْفِعْلِ الْمُتَأَخِّر . وَالصَّوَاب مِنْ
الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا
الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , فَتَأْوِيل الْكَلَام :
وَآيَة لَهُمْ , تَقْدِيرنَا الْقَمَر مَنَازِل لِلنُّقْصَانِ بَعْد تَنَاهِيهِ
وَتَمَامه وَاسْتِوَائِهِ , حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم ; وَالْعُرْجُون
: مِنْ الْعِذْق مِنْ الْمَوْضِع النَّابِت فِي النَّخْلَة إِلَى مَوْضِع
الشَّمَارِيخ ; وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْعُرْجُونِ الْقَدِيم ,
وَالْقَدِيم هُوَ الْيَابِس , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعِذْق , لَا يَكَاد يُوجَد
إِلَّا مُتَقَوِّسًا مُنْحَنِيًا إِذَا قَدِمَ وَيَبِسَ , وَلَا يَكَاد أَنْ يُصَاب
مُسْتَوِيًا مُعْتَدِلًا , كَأَغْصَانِ سَائِر الْأَشْجَار وَفُرُوعهَا ,
فَكَذَلِكَ الْقَمَر إِذَا كَانَ فِي آخِر الشَّهْر قَبْل اِسْتِسْرَاره , صَارَ
فِي اِنْحِنَائِهِ وَتَقَوُّسه نَظِير ذَلِكَ الْعُرْجُون. وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22290
حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ
عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم }
يَقُول : أَصْل الْعِذْق الْعَتِيق * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني
أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن
عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } يَعْنِي
بِالْعُرْجُونِ : الْعِذْق الْيَابِس 22291 حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم
, قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله :
{ وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ
: كَعِذْقِ النَّخْلَة إِذَا قَدُمَ فَانْحَنَى 22292 حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن
إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو يَزِيد الْخَرَّاز , يَعْنِي خَالِد
بْن حَيَّان الرَّقِّيّ , عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ يَزِيد بْن الْأَصَمّ
فِي قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : عِذْق النَّخْلَة
إِذَا قَدُمَ اِنْحَنَى 22293 حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى
بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن عُبَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : {
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : النَّخْلَة الْقَدِيمَة 22294 حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى ,
قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِد {
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم } قَالَ : الْعِذْق الْيَابِس 22295 حَدَّثَنِي
مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ الْمُقَدَّمِيّ وَابْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَا :
ثنا أَبُو عَاصِم وَالْمُقَدَّمِيّ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَاصِم يَقُول :
سَمِعْت سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي قَوْله : { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ
الْقَدِيم } قَالَ : الْعِذْق 22296 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد ,
قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم }
قَالَ : قَدَّرَهُ اللَّه مَنَازِل , فَجَعَلَ يَنْقُص حَتَّى كَانَ مِثْل عِذْق
النَّخْلَة , شَبَّهَهُ بِعِذْقِ النَّخْلَة
} لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ
سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{
تفسير
ابن كثير : وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ
تُدْرِك الْقَمَر " قَالَ مُجَاهِد لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَدّ لَا يَعْدُوهُ وَلَا
يُقَصِّر دُونه إِذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذَهَبَ هَذَا وَإِذَا ذَهَبَ سُلْطَان
هَذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ
الْحَسَن فِي قَوْله تَعَالَى : " لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك
الْقَمَر " قَالَ ذَلِكَ لَيْلَة الْهِلَال . وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم هَهُنَا
عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لِلرِّيحِ جَنَاحًا وَإِنَّ
الْقَمَر يَأْوِي إِلَى غِلَاف مِنْ الْمَاء وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ إِسْمَاعِيل
بْن أَبِي خَالِد عَنْ أَبِي صَالِح لَا يُدْرِك هَذَا ضَوْء هَذَا وَلَا هَذَا
ضَوْء هَذَا . وَقَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ " لَا الشَّمْس
يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر " يَعْنِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
سُلْطَانًا فَلَا يَنْبَغِي لِلشَّمْسِ أَنْ تَطْلُع بِاللَّيْلِ . وَقَوْله
تَعَالَى : " وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار " يَقُول لَا يَنْبَغِي إِذَا كَانَ
اللَّيْل أَنْ يَكُون لَيْل آخَر حَتَّى يَكُون النَّهَار فَسُلْطَان الشَّمْس
بِالنَّهَارِ وَسُلْطَان الْقَمَر بِاللَّيْلِ وَقَالَ الضَّحَّاك لَا يَذْهَب
اللَّيْل مِنْ هَهُنَا حَتَّى يَجِيء النَّهَار مِنْ هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ
إِلَى الْمَشْرِق وَقَالَ مُجَاهِد " وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار "
يَطْلُبَانِ حَثِيثَيْنِ يُسْلَخ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر وَالْمَعْنَى فِي هَذَا
أَنَّهُ لَا فَتْرَة بَيْن اللَّيْل وَالنَّهَار بَلْ كُلّ مِنْهُمَا يَعْقُب
الْآخَر بِلَا مُهْلَة وَلَا تَرَاخٍ لِأَنَّهُمَا مُسَخَّرَانِ دَائِبَيْنِ
يَتَطَالَبَانِ طَلَبًا حَثِيثًا . وَقَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَكُلّ فِي
فَلَك يَسْبَحُونَ " يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلّهمْ
يَسْبَحُونَ أَيْ يَدُورُونَ فِي فَلَك السَّمَاء . قَالَهُ اِبْن عَبَّاس
وَعِكْرِمَة وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَقَالَ
عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي فَلَك بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض .
رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَهُوَ غَرِيب جِدًّا بَلْ مُنْكَر قَالَ اِبْن عَبَّاس
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف فِي فَلْكَة كَفَلْكَةِ
الْمِغْزَل وَقَالَ مُجَاهِد الْفَلَك كَحَدِيدِ الرَّحَى أَوْ كَفَلْكَةِ
الْمِغْزَل لَا يَدُور الْمِغْزَل إِلَّا بِهَا وَلَا تَدُور إِلَّا بِهِ
.
تفسير
القرطبي لَا
الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ
النَّهَارِ رُفِعَتْ " الشَّمْس " بِالِابْتِدَاءِ , وَلَا يَجُوز أَنْ تَعْمَل "
لَا " فِي مَعْرِفَة . وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة ,
فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهَا أَنَّ الشَّمْس لَا تُدْرِك الْقَمَر فَتُبْطِلُ
مَعْنَاهُ . أَيْ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا سُلْطَان عَلَى حِيَاله , فَلَا يَدْخُل
أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر فَيُذْهِب سُلْطَانه , إِلَى أَنْ يُبْطِل اللَّه مَا
دَبَّرَ مِنْ ذَلِكَ , فَتَطْلُع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي
آخِر سُورَة [ الْأَنْعَام ] بَيَانه . وَقِيلَ : إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس لَمْ
يَكُنْ لِلْقَمَرِ ضَوْء , وَإِذَا طَلَعَ الْقَمَر لَمْ يَكُنْ لِلشَّمْسِ ضَوْء .
رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك . وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ لَا
يُشْبِه ضَوْء أَحَدهمَا ضَوْء الْآخَر . وَقَالَ قَتَادَة : لِكُلٍّ حَدٌّ
وَعِلْمٌ لَا يَعْدُوهُ وَلَا يَقْصُر دُونه إِذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا ذَهَبَ
سُلْطَان هَذَا . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي السَّمَاء
لَيْلَة الْهِلَال خَاصَّة . أَيْ لَا تَبْقَى الشَّمْس حَتَّى يَطْلُع الْقَمَر ,
وَلَكِنْ إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس طَلَعَ الْقَمَر . يَحْيَى بْن سَلَّام : لَا
تُدْرِك الشَّمْس الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر خَاصَّة لِأَنَّهُ يُبَادِر
بِالْمَغِيبِ قَبْل طُلُوعهَا . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِذَا اِجْتَمَعَا فِي
السَّمَاء كَانَ أَحَدهمَا بَيْن يَدَيْ الْآخَر فِي مَنَازِل لَا يَشْتَرِكَانِ
فِيهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا . وَقِيلَ : الْقَمَر فِي السَّمَاء
الدُّنْيَا وَالشَّمْس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة فَهِيَ لَا تُدْرِكهُ ; ذَكَرَهُ
النَّحَّاس وَالْمَهْدَوِيّ . قَالَ النَّحَّاس : وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي
مَعْنَاهَا وَأَبْيَنُهُ مِمَّا لَا يُدْفَع : أَنَّ سَيْر الْقَمَر سَيْر سَرِيع
وَالشَّمْس لَا تُدْرِكُهُ فِي السَّيْر ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ أَيْضًا . فَأَمَّا
قَوْله سُبْحَانَهُ : " وَجَمَعَ الشَّمْس وَالْقَمَر " [ الْقِيَامَة : 9 ]
فَذَلِكَ حِين حَبَسَ الشَّمْس عَنْ الطُّلُوع عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي
آخِر [ الْأَنْعَام ] وَيَأْتِي فِي سُورَة [ الْقِيَامَة ] أَيْضًا .
وَجَمْعُهُمَا عَلَامَة لِانْقِضَاءِ الدُّنْيَا وَقِيَام السَّاعَة . وَقَالَ
الْحَسَن : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم فِي فَلَك بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض
غَيْر مُلْصَقَة ; وَلَوْ كَانَتْ مُلْصَقَة مَا جَرَتْ ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ
وَالْمَاوَرْدِيّ . وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا اللَّيْلُ
سَابِقُ النَّهَار " عَلَى أَنَّ النَّهَار مَخْلُوق قَبْل اللَّيْل , وَأَنَّ
اللَّيْل لَمْ يَسْبِقْهُ بِخَلْقٍ . وَقِيلَ : كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يَجِيء
وَقْته وَلَا يَسْبِق صَاحِبه إِلَى أَنْ يُجْمَع بَيْن الشَّمْس وَالْقَمَر يَوْم
الْقِيَامَة ; كَمَا قَالَ : " وَجَمَعَ الشَّمْس وَالْقَمَر " وَإِنَّمَا هَذَا
التَّعَاقُب الْآن لِتَتِمَّ مَصَالِح الْعِبَاد . " لِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ
وَالْحِسَاب " [ يُونُس : 5 ] وَيَكُون اللَّيْل لِلْإِجْمَامِ وَالِاسْتِرَاحَة ,
وَالنَّهَار لِلتَّصَرُّفِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ
لَكُمْ اللَّيْل وَالنَّهَار لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله " [
الْقَصَص : 73 ] وَقَالَ : " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا " أَيْ رَاحَة
لِأَبْدَانِكُمْ مِنْ عَمَل النَّهَار . فَقَوْله: " وَلَا اللَّيْل سَابِق
النَّهَار " أَيْ غَالِب النَّهَار ; يُقَال : سَبَقَ فُلَان فُلَانًا أَيْ
غَلَبَهُ . وَذَكَرَ الْمُبَرِّد قَالَ : سَمِعْت عُمَارَة يَقْرَأ : " وَلَا
اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارَ " فَقُلْت مَا هَذَا ؟ قَالَ : أَرَدْت سَابِقٌ
النَّهَارَ فَحَذَفْت التَّنْوِينَ ; لِأَنَّهُ أَخَفُّ . قَالَ النَّحَّاس :
يَجُوز أَنْ يَكُون " النَّهَار " مَنْصُوبًا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَيَكُون
التَّنْوِين حُذِفَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ .
وَكُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" وَكُلّ " يَعْنِي
مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم " فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " أَيْ يَجْرُونَ .
وَقِيلَ : يَدُورُونَ . وَلَمْ يَقُلْ تَسْبَح ; لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِفِعْلِ مَنْ
يَعْقِل .
تفسير
الطبري : لَا
الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَقَوْله : { لَا
الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا
الشَّمْس يَصْلُح لَهَا إِدْرَاك الْقَمَر , فَيَذْهَب ضَوْءُهَا بِضَوْئِهِ ,
فَتَكُون الْأَوْقَات كُلّهَا نَهَارًا لَا لَيْل فِيهَا { وَلَا اللَّيْل سَابِق
النَّهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا اللَّيْل بِفَائِتِ النَّهَار حَتَّى
تَذْهَب ظُلْمَته بِضِيَائِهِ , فَتَكُون الْأَوْقَات كُلّهَا لَيْلًا . وَبِنَحْوِ
الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي
أَلْفَاظهمْ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّ مَعَانِي عَامَّتهمْ الَّذِي
قُلْنَاهُ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22297 حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ :
ثنا حَكَّام عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم
بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا
أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } قَالَ : لَا يُشْبِه ضَوْءُهَا ضَوْء الْآخَر , لَا
يَنْبَغِي لَهَا ذَلِكَ 22298 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا
أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا
الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ
مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر }
قَالَ : لَا يُشْبِه ضَوْء أَحَدهمَا ضَوْء الْآخَر , وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ
لَهُمَا وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ
وَفِي قَوْله : { وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ :
يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ يَنْسَلِخ أَحَدهمَا مِنْ الْآخَر . 22299 حَدَّثَنِي
يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْأَشْجَعِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ
إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك
الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ : لَا يُدْرِك هَذَا ضَوْء هَذَا
وَلَا هَذَا ضَوْء هَذَا 22300 حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا
مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي
قَوْله : { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر } وَهَذَا فِي
ضَوْء الْقَمَر وَضَوْء الشَّمْس , إِذَا طَلَعَتْ الشَّمْس لَمْ يَكُنْ لِلْقَمَرِ
ضَوْء , وَإِذَا طَلَعَ الْقَمَر بِضَوْئِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّمْسِ ضَوْء { وَلَا
اللَّيْل سَابِق النَّهَار } قَالَ : فِي قَضَاء اللَّه وَعِلْمه أَنْ لَا يَفُوت
اللَّيْل النَّهَار حَتَّى يُدْرِكهُ , فَيَذْهَب ظُلْمَته , وَفِي قَضَاء اللَّه
أَنْ لَا يَفُوت النَّهَار اللَّيْل حَتَّى يُدْرِكهُ , فَيَذْهَب بِضَوْئِهِ
22301 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ
قَتَادَة { لَا الشَّمْس يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل
سَابِق النَّهَار } وَلِكُلٍّ حَدّ وَعِلْم لَا يَعْدُوهُ , وَلَا يَقْصُر دُونه ;
إِذَا جَاءَ سُلْطَان هَذَا , ذَهَبَ سُلْطَان هَذَا , وَإِذَا جَاءَ سُلْطَان
هَذَا ذَهَبَ سُلْطَان هَذَا وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 22302
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ
: ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا الشَّمْس
يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِك الْقَمَر وَلَا اللَّيْل سَابِق النَّهَار } يَقُول :
إِذَا اِجْتَمَعَا فِي السَّمَاء كَانَ أَحَدهمَا بَيْن يَدَيْ الْآخَر , فَإِذَا
غَابَا غَابَ أَحَدهمَا بَيْن يَدَيْ الْآخَر وَأَنَّ مِنْ قَوْله : { أَنْ تُدْرِك
} فِي مَوْضِع رَفْع بِقَوْلِهِ : يَنْبَغِي .
وَكُلٌّ
فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَقَوْله : { وَكُلّ
فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } يَقُول : وَكُلّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر
وَاللَّيْل وَالنَّهَار فِي فَلَك يَجْرُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي
ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22303 حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد
اللَّه الْعِجْلِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , عَنْ سَعِيد
بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : فِي
فَلَك كَفَلَك الْمِغْزَل * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد
الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم
الْبُطَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله. 22304
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى
; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء ,
جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَجْرَى كُلّ وَاحِد
مِنْهُمَا , يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار , فِي فَلَك يَسْبَحُونَ : يَجْرُونَ
22305 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ
قَتَادَة { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } : أَيْ فِي فَلَك السَّمَاء يَسْبَحُونَ
22306 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة ,
عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ }
دَوَرَانًا , يَقُول : دَوَرَانًا يَسْبَحُونَ ; يَقُول : يَجْرُونَ 22307
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ
: ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكُلّ فِي فَلَك
يَسْبَحُونَ } يَعْنِي : كُلّ فِي فَلَك فِي السَّمَوَات
} وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ{
تفسير
ابن كثير : يقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَدَلَالَة لَهُمْ أَيْضًا عَلَى
قُدْرَته تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَسْخِيره الْبَحْر لِيَحْمِل السُّفُن فَمِنْ
ذَلِكَ بَلْ أَوَّله سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّتِي
أَنْجَاهُ اللَّه تَعَالَى فِيهَا بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ
لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْه الْأَرْض مِنْ ذُرِّيَّة آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام غَيْرهمْ وَلِهَذَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " وَآيَة لَهُمْ أَنَّا
حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ " أَيْ آبَاءَهُمْ " فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " أَيْ فِي
السَّفِينَة الْمَمْلُوءَة مِنْ الْأَمْتِعَة وَالْحَيَوَانَات الَّتِي أَمَرَهُ
اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحْمِل فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الْمَشْحُون الْمُوَقَّر وَكَذَا
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالشَّعْبِيّ وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَقَالَ
الضَّحَّاك وَقَتَادَة وَابْن زَيْد وَهِيَ سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام .
تفسير
القرطبي وَآيَةٌ
لَهُمْ يَحْتَمِل ثَلَاثَة مَعَانٍ : أَحَدهَا عِبْرَة لَهُمْ ; لِأَنَّ فِي
الْآيَات اِعْتِبَارًا . الثَّانِي نِعْمَة عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ فِي الْآيَاتِ
إِنْعَامًا . الثَّالِث إِنْذَار لَهُمْ ; لِأَنَّ فِي الْآيَات إِنْذَارًا . أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي السُّورَة ; لِأَنَّهُمْ هُمْ
الْمَحْمُولُونَ . فَقِيلَ : الْمَعْنَى وَآيَة لِأَهْلِ مَكَّة أَنَا حَمَلْنَا
ذُرِّيَّة الْقُرُون الْمَاضِيَة " فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " فَالضَّمِيرَانِ
مُخْتَلِفَانِ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَحَكَاهُ النَّحَّاس عَنْ عَلِيّ بْن
سُلَيْمَان أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول . وَقِيلَ : الضَّمِيرَانِ جَمِيعًا لِأَهْلِ
مَكَّة عَلَى أَنْ يَكُون ذُرِّيَّاتهمْ أَوْلَادَهُمْ وَضُعَفَاءَهُمْ ;
فَالْفُلْك عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل سَفِينَة نُوح . وَعَلَى الثَّانِي يَكُون
اِسْمًا لِلْجِنْسِ ; خَبَّرَ جَلَّ وَعَزَّ بِلُطْفِهِ وَامْتِنَانه أَنَّهُ
خَلَقَ السُّفُن يُحْمَل فِيهَا مَنْ يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْمَشْي وَالرُّكُوب مِنْ
الذُّرِّيَّة وَالضُّعَفَاء , فَيَكُون الضَّمِيرَانِ عَلَى هَذَا مُتَّفِقَيْنِ .
وَقِيلَ : الذُّرِّيَّة الْآبَاء وَالْأَجْدَاد , حَمَلَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي
سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام ; فَالْآبَاء ذُرِّيَّة وَالْأَبْنَاء ذُرِّيَّة
; بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَة ; قَالَهُ أَبُو عُثْمَان . وَسُمِّيَ الْآبَاء
ذُرِّيَّة ; لِأَنَّ مِنْهُمْ ذَرَأَ الْأَبْنَاء . وَقَوْل رَابِع : أَنَّ
الذُّرِّيَّة النُّطَف حَمَلَهَا اللَّه تَعَالَى فِي بُطُون النِّسَاء تَشْبِيهًا
بِالْفُلْكِ الْمَشْحُون ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ;
ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] اِشْتِقَاق
الذُّرِّيَّة وَالْكَلَام فِيهَا مُسْتَوْفًى . وَ " الْمَشْحُون " الْمَمْلُوء
الْمُوَقَّر , وَ " الْفُلْك " يَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [
يُونُس ] الْقَوْل فِيهِ .
تفسير
الطبري
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ
الْمَشْحُونِ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآيَة لَهُمْ أَنَّا
حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَقُول تَعَالَى ذِكْره :
وَدَلِيل لَهُمْ أَيْضًا , وَعَلَامَة عَلَى قُدْرَتنَا عَلَى كُلّ مَا نَشَاء ,
حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ , يَعْنِي مَنْ نَجَا مِنْ وَلَد آدَم فِي سَفِينَة نُوح ,
وَإِيَّاهَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْفُلْكِ الْمَشْحُون ; وَالْفُلْك : هِيَ
السَّفِينَة , وَالْمَشْحُون : الْمَمْلُوء الْمُوَقَّر . وَبِنَحْوِ الَّذِي
قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22308
حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ
عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي
الْفُلْك الْمَشْحُون } يَقُول : الْمُمْتَلِئ 22309 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن
سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ
أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فِي الْفُلْك الْمَشْحُون } يَعْنِي
الْمُثَقَّل 22310 حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا
مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد
{ الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ : الْمُوَقَّر 22311 حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن
مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي
قَوْله : { الْمَشْحُون } قَالَ : الْمَحْمُول 22312 حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن ,
قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت
الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك
الْمَشْحُون } يَعْنِي : سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام 22313 حَدَّثَنَا
بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : {
وَآيَة لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتهمْ فِي الْفُلْك الْمَشْحُون }
الْمُوَقَّر , يَعْنِي سَفِينَة نُوح 22314 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ :
أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { الْفُلْك
الْمَشْحُون } قَالَ : الْفُلْك الْمَشْحُون : الْمَرْكَب الَّذِي كَانَ فِيهِ نُوح
, وَالذُّرِّيَّة الَّتِي كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْمَرْكَب ; قَالَ : وَالْمَشْحُون :
الَّذِي قَدْ شُحِنَ , الَّذِي قَدْ جَعَلَ فِيهِ لِيَرْكَبهُ أَهْله , جَعَلُوا
فِيهِ مَا يُرِيدُونَ , فَرُبَّمَا اِمْتَلَأَ , وَرُبَّمَا لَمْ يَمْتَلِئ *
حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ
عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا
الْفُلْك الْمَشْحُون ؟ قُلْنَا : لَا , قَالَ : هُوَ الْمُوَقَّر 22315
حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ
جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { الْفُلْك الْمَشْحُون } قَالَ :
الْمُوَقَّر
و}َخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ{
تفسير
ابن كثير : وَقَوْله جَلَّ وَعَلَا " وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا
يَرْكَبُونَ " قَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِبِل فَإِنَّهَا سُفُن الْبَرّ يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا
وَيَرْكَبُونَهَا وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة فِي
رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد وَغَيْرهمْ وَقَالَ السُّدِّيّ فِي رِوَايَة
هِيَ الْأَنْعَام . وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فُضَيْل عَنْ عَطَاء عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن
عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ أَتَدْرُونَ مَا قَوْله تَعَالَى "
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ " ؟ قُلْنَا لَا قَالَ هِيَ
السُّفُن جُعِلَتْ مِنْ بَعْد سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَلَى
مِثْلهَا وَكَذَا قَالَ أَبُو مَالِك وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَأَبُو صَالِح
وَالسُّدِّيّ أَيْضًا الْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ
مِثْله مَا يَرْكَبُونَ " أَيْ السُّفُن وَيُقَوِّي هَذَا الْمَذْهَب فِي
الْمَعْنَى قَوْله جَلَّ وَعَلَا " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي
الْجَارِيَة لِنَجْعَلهَا لَكُمْ تَذْكِرَة وَتَعِيَهَا أُذُن وَاعِيَة "
.
تفسير
القرطبي :
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
وَالْأَصْل يَرْكَبُونَهُ فَحُذِفَتْ الْهَاء لِطُولِ الِاسْم
وَأَنَّهُ رَأْس آيَة . وَفِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أَقْوَال : مَذْهَب مُجَاهِد
وَقَتَادَة وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّفْسِير , وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ
مَعْنَى " مِنْ مِثْله " لِلْإِبِلِ , خَلَقَهَا لَهُمْ لِلرُّكُوبِ فِي الْبَرّ
مِثْل السُّفُن الْمَرْكُوبَة فِي الْبَحْر ; وَالْعَرَب تُشَبِّهُ الْإِبِل
بِالسُّفُنِ . قَالَ طَرَفَة : كَأَنَّ حُدُوجَ الْمَالِكِيَّةِ غُدْوَةً خَلَايَا
سَفِينٍ بِالنَّوَاصِفِ مِنْ دَدِ جَمْع خَلِيَّة وَهِيَ السَّفِينَة الْعَظِيمَة .
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهُ لِلْإِبِلِ وَالدَّوَابّ وَكُلّ مَا يُرْكَب .
وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهُ لِلسُّفُنِ ; النَّحَّاس : وَهُوَ أَصَحّهَا ;
لِأَنَّهُ مُتَّصِل الْإِسْنَاد عَنْ اِبْن عَبَّاس . " وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ
مِثْله مَا يَرْكَبُونَ " قَالَ : خَلَقَ لَهُمْ سُفُنًا أَمْثَالهَا يَرْكَبُونَ
فِيهَا . وَقَالَ أَبُو مَالِك : إِنَّهَا السُّفُن الصِّغَار خَلَقَهَا مِثْل
السُّفُن الْكِبَار ; وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن . وَقَالَ الضَّحَّاك
وَغَيْره : هِيَ السُّفُن الْمُتَّخَذَة بَعْد سَفِينَة نُوح . قَالَ
الْمَاوَرْدِيّ : وَيَجِيء عَلَى مُقْتَضَى تَأْوِيل عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ
فِي أَنَّ الذُّرِّيَّة فِي الْفُلْك الْمَشْحُون هِيَ النُّطَف فِي بُطُون
النِّسَاء قَوْل خَامِس فِي قَوْله : " وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا
يَرْكَبُونَ " أَنْ يَكُون تَأْوِيله النِّسَاء خُلِقْنَ لِرُكُوبِ الْأَزْوَاج
لَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَحْكِيًّا .
تفسير
الطبري
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ
وَقَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَخَلَقْنَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِيكَ
يَا مُحَمَّد , تَفَضُّلًا مِنَّا عَلَيْهِمْ , مِنْ مِثْل ذَلِكَ الْفُلْك الَّذِي
كُنَّا حَمَلْنَا مِنْ ذُرِّيَّة آدَم مَنْ حَمَلْنَا فِيهِ الَّذِي يَرْكَبُونَهُ
مِنْ الْمَرَاكِب . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي عَنَى
بِقَوْلِهِ : { مَا يَرْكَبُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ السُّفُن . ذِكْر مَنْ
قَالَ ذَلِكَ : 22316 حَدَّثَنَا الْفَضْل بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد
بْن فُضَيْل , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ :
تَدْرُونَ مَا { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } ؟ قُلْنَا : لَا
. قَالَ : هِيَ السُّفُن جُعِلَتْ مِنْ بَعْد سَفِينَة نُوح عَلَى مِثْلهَا 22317
حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا يَحْيَى ,
قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : {
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار *
قَالَ : ثنا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ
السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله
مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار , أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : {
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } 22318 حَدَّثَنَا اِبْن
الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ
مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ
مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار 22319 حَدَّثَنَا
حَاتِم بْن بَكْر الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , عَنْ شُعْبَة ,
عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا
يَرْكَبُونَ } قَالَ : السُّفُن الصِّغَار 22320 حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ
: سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك
يَقُول فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } يَعْنِي :
السُّفُن الَّتِي اُتُّخِذَتْ بَعْدهَا , يَعْنِي بَعْد سَفِينَة نُوح 22321
حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة {
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : هِيَ السُّفُن الَّتِي
يُنْتَفَع بِهَا 22322 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب ,
قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا
يَرْكَبُونَ } قَالَ : وَهِيَ هَذِهِ الْفُلْك * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا
مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح ,
فِي قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : نَعَمْ
مِنْ مِثْل سَفِينَة وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِبِل . ذِكْر
مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22323 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنا أَبِي ,
قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ,
قَوْله : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } يَعْنِي : الْإِبِل ,
خَلَقَهَا اللَّه كَمَا رَأَيْت , فَهِيَ سُفُن الْبَرّ , يُحْمَلُونَ عَلَيْهَا
وَيَرْكَبُونَهَا 22324 حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا غُنْدَر ,
عَنْ عُثْمَان بْن غِيَاث , عَنْ عِكْرِمَة { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا
يَرْكَبُونَ } قَالَ : الْإِبِل 22325 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا
عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ عَبْد
اللَّه بْن شَدَّاد : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } هِيَ
الْإِبِل 22326 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم ,
قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا
وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : {
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْله مَا يَرْكَبُونَ } قَالَ : مِنْ الْأَنْعَام 22327
حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة ,
قَالَ : قَالَ الْحَسَن : هِيَ الْإِبِل وَأَشْبَهَ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ
ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِذَلِكَ السُّفُن , وَذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْله
: { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ
, وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَق مَعْلُوم أَنْ لَا يَكُون إِلَّا فِي الْمَاء , وَلَا
غَرَق فِي الْبَرّ .
}وَإِنْ
نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ
يُنْقَذُونَ{
تفسير
ابن كثير وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ " وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ " يَعْنِي
الَّذِينَ فِي السُّفُن " فَلَا صَرِيخ لَهُمْ " أَيْ فَلَا مُغِيث لَهُمْ مِمَّا
هُمْ فِيهِ " وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ " أَيْ مِمَّا أَصَابَهُمْ
.
تفسير
القرطبي وَإِنْ
نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ أَيْ فِي الْبَحْر
فَتَرْجِع الْكِنَايَة إِلَى أَصْحَاب الذُّرِّيَّة , أَوْ إِلَى الْجَمِيع ,
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُرَاد "
مِنْ مِثْله " السُّفُن لَا الْإِبِل .
فَلَا
صَرِيخَ لَهُمْ أَيْ لَا مُغِيث
لَهُمْ رَوَاهُ سَعِيد عَنْ قَتَادَة . وَرَوَى شَيْبَان عَنْهُ : فَلَا مَنَعَة
لَهُمْ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبَانِ . وَ " صَرِيخ " بِمَعْنَى مُصْرِخ , فَعِيلَ
بِمَعْنَى فَاعِل . وَيَجُوز " فَلَا صَرِيخ لَهُمْ " ; لِأَنَّ بَعْده مَا لَا
يَجُوز فِيهِ إِلَّا الرَّفْع ; لِأَنَّهُ مَعْرِفَة وَهُوَ " وَلَا هُمْ
يُنْقَذُونَ " وَالنَّحْوِيُّونَ يَخْتَارُونَ لَا رَجُل فِي الدَّار وَلَا زَيْد
.
وَلَا
هُمْ يُنْقَذُونَ وَمَعْنَى : "
يُنْقَذُونَ " يُخَلَّصُونَ مِنْ الْغَرَق . وَقِيلَ : مِنْ الْعَذَاب
.
تفسير
الطبري وَإِنْ
نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ
وَقَوْله : { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ }
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِق هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا
رَكِبُوا الْفُلْك فِي الْبَحْر { فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } يَقُول : فَلَا مُغِيث
لَهُمْ إِذَا نَحْنُ غَرَّقْنَاهُمْ يُغِيثهُمْ , فَيُنَجِّيهِمْ مِنْ الْغَرَق ,
كَمَا : 22328 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ
قَتَادَة { وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقهُمْ فَلَا صَرِيخ لَهُمْ } : أَيْ لَا
مُغِيث
وَلَا
هُمْ يُنْقَذُونَ وَقَوْله : { وَلَا
هُمْ يُنْقِذُونَ } يَقُول : وَلَا هُوَ يُنْقِذهُمْ مِنْ الْغَرَق شَيْء إِنْ
نَحْنُ أَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْبَحْر , إِلَّا أَنْ نُنْقِذهُمْ نَحْنُ رَحْمَة
مِنَّا لَهُمْ , فَنُنْجِيهِمْ مِنْهُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق