الثلاثاء، 19 فبراير 2013

تفسير سورة يس 5 / 8

}وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{
تفسير ابن كثير :َقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَمَادِي الْمُشْرِكِينَ فِي غَيّهمْ وَضَلَالهمْ وَعَدَم اِكْتِرَاثهمْ بِذُنُوبِهِمْ الَّتِي أَسْلَفُوهَا وَمَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْن أَيْدِيهمْ يَوْم الْقِيَامَة " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ " قَالَ مُجَاهِد مِنْ الذُّنُوب وَقَالَ غَيْره بِالْعَكْسِ " لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " أَيْ لَعَلَّ اللَّه بِاتِّقَائِكُمْ ذَلِكَ يَرْحَمكُمْ وَيُؤَمِّنكُمْ مِنْ عَذَابه وَتَقْدِير الْكَلَام أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَ إِلَى ذَلِكَ بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ .
تفسير القرطبي وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
قَالَ قَتَادَة : يَعْنِي " اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " أَيْ مِنْ الْوَقَائِع فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَم , " وَمَا خَلْفكُمْ " مِنْ الْآخِرَة . اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَمُجَاهِد : " مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " مَا مَضَى مِنْ الذُّنُوب , " وَمَا خَلْفكُمْ " مَا يَأْتِي مِنْ الذُّنُوب . الْحَسَن : " مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " مَا مَضَى مِنْ أَجَلِكُمْ " وَمَا خَلْفكُمْ " مَا بَقِيَ مِنْهُ . وَقِيلَ : " مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " مِنْ الدُّنْيَا , " وَمَا خَلْفكُمْ " مِنْ عَذَاب الْآخِرَة ; قَالَهُ سُفْيَان . وَحَكَى عَكْسَ هَذَا الْقَوْل الثَّعْلَبِيُّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَالَ : " مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " مِنْ أَمْر الْآخِرَة وَمَا عَمِلُوا لَهَا , " وَمَا خَلْفكُمْ " مِنْ أَمْر الدُّنْيَا فَاحْذَرُوهَا وَلَا تَغْتَرُّوا بِهَا . وَقِيلَ : " مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ " مَا ظَهَرَ لَكُمْ " وَمَا خَلْفكُمْ " مَا خَفِيَ عَنْكُمْ . وَالْجَوَاب مَحْذُوف , وَالتَّقْدِير : إِذَا قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ أَعْرَضُوا ; دَلِيله قَوْله بَعْد : " وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " فَاكْتَفَى بِهَذَا عَنْ ذَلِكَ .
تفسير الطبري وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ , الْمُكَذِّبِينَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِحْذَرُوا مَا مَضَى بَيْن أَيْدِيكُمْ مِنْ نَقْم اللَّه وَمَثُلَاته بِمَنْ حَلَّ ذَلِكَ بِهِ مِنْ الْأُمَم قَبْلكُمْ أَنْ يَحِلّ مِثْله بِكُمْ بِشِرْكِكُمْ وَتَكْذِيبكُمْ رَسُوله . { وَمَا خَلْفكُمْ } يَقُول : وَمَا بَعْد هَلَاككُمْ مِمَّا أَنْتُمْ لَاقُوهُ إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى كُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول : لِيَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ إِنْ أَنْتُمْ حَذَّرْتُمْ ذَلِكَ , وَاتَّقَيْتُمُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ شِرْككُمْ وَالْإِيمَان بِهِ , وَلُزُوم طَاعَته فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَرَائِضه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22330 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } : وَقَائِع اللَّه فِيمَنْ خَلَا قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم وَمَا خَلْفهمْ مِنْ أَمْر السَّاعَة . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 22331 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } قَالَ : مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ وَهَذَا الْقَوْل قَرِيب الْمَعْنَى مِنْ الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : اِتَّقُوا عُقُوبَة مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ , وَمَا خَلْفكُمْ مِمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ الذُّنُوب وَلَمْ تَعْمَلُوهُ بَعْد , فَذَلِكَ بَعْد تَخْوِيف لَهُمْ الْعِقَاب عَلَى كُفْرهمْ .
}وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ{
تفسير ابن كثير : وَاكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ " أَيْ عَلَى التَّوْحِيد وَصِدْق الرُّسُل " إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ " أَيْ لَا يَتَأَمَّلُونَهَا وَلَا يَقْبَلُونَهَا وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا .
تفسير القرطبي وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ إِذَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ أَعْرَضُوا .
تفسير الطبري وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَقَوْله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا تَجِيء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش آيَة , يَعْنِي حُجَّة مِنْ حُجَج اللَّه , وَعَلَامَة مِنْ عَلَامَاته عَلَى حَقِيقَة تَوْحِيده , وَتَصْدِيق رَسُوله , إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ , لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا , وَلَا يَتَدَبَّرُونَهَا , فَيَعْلَمُوا بِهَا مَا اِحْتَجَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيْنَ جَوَاب قَوْله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ } ؟ قِيلَ : جَوَابه وَجَوَاب قَوْله { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة مِنْ آيَات رَبّهمْ } . . قَوْله : { إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ } لِأَنَّ الْإِعْرَاض مِنْهُمْ كَانَ عَنْ كُلّ آيَة لِلَّهِ , فَاكْتَفَى بِالْجَوَابِ عَنْ قَوْله : { اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ } وَعَنْ قَوْله : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَة } بِالْخَبَرِ عَنْ إِعْرَاضهمْ عَنْهَا لِذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ أَعْرَضُوا , وَإِذَا أَتَتْهُمْ آيَة أَعْرَضُوا .
}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{
تفسير ابن كثير وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه " أَيْ وَإِذَا أُمِرُوا بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّه عَلَى الْفُقَرَاء وَالْمَحَاوِيج مِنْ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا" أَيْ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْفُقَرَاء أَيْ قَالُوا لِمَنْ أَمَرَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِنْفَاقِ مُحَاجِّينَ لَهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ " أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ " أَيْ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُمُونَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ لَوْ شَاءَ اللَّه لَأَغْنَاهُمْ وَلَأَطْعَمَهُمْ مِنْ رِزْقه فَنَحْنُ نُوَافِق مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ " إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين " أَيْ فِي أَمْركُمْ لَنَا بِذَلِكَ قَالَ اِبْن جَرِير وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْكُفَّارِ حِين نَاظَرُوا الْمُومِنِينَ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ " إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين " وَفِي هَذَا نَظَر وَاَللَّه أَعْلَم .
تفسير القرطبي وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أَيْ تَصَدَّقُوا عَلَى الْفُقَرَاء . قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي الْيَهُود أُمِرُوا بِإِطْعَامِ الْفُقَرَاء . وَقِيلَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ قَالَ لَهُمْ فُقَرَاء أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطُونَا مَا زَعَمْتُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ أَنَّهَا لِلَّهِ ; وَذَلِكَ قَوْله : " وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا " [ الْأَنْعَام : 136 ] فَحَرَّمُوهُمْ وَقَالُوا : لَوْ شَاءَ اللَّه أَطْعَمَكُمْ اِسْتِهْزَاء فَلَا نُطْعِمُكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِنَا . قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ
أَيْ أَنَرْزُقُ " مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ " كَانَ بَلَغَهُمْ مِنْ قَوْل الْمُسْلِمِينَ : أَنَّ الرَّازِق هُوَ اللَّه . فَقَالُوا هُزْءًا : أَنَرْزُقُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَغْنَاهُ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بِمَكَّة زَنَادِقَة , فَإِذَا أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْمَسَاكِين قَالُوا : لَا وَاَللَّه ! أَيُفْقِرُهُ اللَّه وَنُطْعِمُهُ نَحْنُ . وَكَانُوا يَسْمَعُونَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَلِّقُونَ أَفْعَال اللَّه تَعَالَى بِمَشِيئَتِهِ فَيَقُولُونَ : لَوْ شَاءَ اللَّه لَأَغْنَى فُلَانًا ; وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَأَعَزَّ , وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَكَانَ كَذَا . فَأَخْرَجُوا هَذَا الْجَوَاب مَخْرَج الِاسْتِهْزَاء بِالْمُؤْمِنِينَ , وَبِمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ تَعْلِيق الْأُمُور بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى . وَقِيلَ : قَالُوا هَذَا تَعَلُّقًا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ : " أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه " أَيْ فَإِذَا كَانَ اللَّه رَزَقَنَا فَهُوَ قَادِر عَلَى أَنْ يَرْزُقَكُمْ فَلِمَ تَلْتَمِسُونَ الرِّزْق مِنَّا ؟ . وَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاج بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِذَا مَلَّكَ عَبْدًا مَالًا ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقًّا فَكَأَنَّهُ اِنْتَزَعَ ذَلِكَ الْقَدْر مِنْهُ , فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِرَاضِ . وَقَدْ صَدَقُوا فِي قَوْلهمْ : لَوْ شَاءَ اللَّه أَطْعَمَهُمْ وَلَكِنْ كَذَبُوا فِي الِاحْتِجَاج . وَمِثْله قَوْله : " سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكْنَا " [ الْأَنْعَام : 148 ] , وَقَوْله : " قَالُوا نَشْهَد إِنَّك لَرَسُول اللَّه وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " [ الْمُنَافِقُونَ : 1 ] .
إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قِيلَ هُوَ مِنْ قَوْل الْكُفَّار لِلْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ فِي سُؤَال الْمَال وَفِي اِتِّبَاعكُمْ مُحَمَّدًا . قَالَ مَعْنَاهُ مُقَاتِل وَغَيْره . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ . وَقِيلَ مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى لِلْكُفَّارِ حِين رَدُّوا بِهَذَا الْجَوَاب . وَقِيلَ : إِنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ يُطْعِم مَسَاكِين الْمُسْلِمِينَ فَلَقِيَهُ أَبُو جَهْل فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْر أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى إِطْعَام هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَمَا بَالُهُ لَمْ يُطْعِمْهُمْ ؟ قَالَ : اِبْتَلَى قَوْمًا بِالْفَقْرِ , وَقَوْمًا بِالْغِنَى , وَأَمَرَ الْفُقَرَاء بِالصَّبْرِ , وَأَمَرَ الْأَغْنِيَاء بِالْإِعْطَاءِ . فَقَالَ : وَاَللَّه يَا أَبَا بَكْر مَا أَنْتَ إِلَّا فِي ضَلَال أَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى إِطْعَام هَؤُلَاءِ وَهُوَ لَا يُطْعِمهُمْ ثُمَّ تُطْعِمهُمْ أَنْتَ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى " [ اللَّيْل : 5 6 ] الْآيَات . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة فِي قَوْم مِنْ الزَّنَادِقَة , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ أَقْوَام يَتَزَنْدَقُونَ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِالصَّانِعِ وَاسْتَهْزَءُوا بِالْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْقَوْل ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ .
تفسير الطبري
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ : أَنْفِقُوا مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ , فَأَدُّوا مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِيهِ لِأَهْلِ حَاجَتكُمْ وَمَسْكَنَتكُمْ , قَالَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه , وَعَبَدُوا مِنْ دُونه لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله : أَنُطْعِمُ أَمْوَالنَا وَطَعَامنَا مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ ؟ ! . إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَفِي قَوْله : { إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مِنْ قِيل الْكُفَّار لِلْمُؤْمِنِينَ , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : مَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم فِي قِيلكُمْ لَنَا : أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه عَلَى مَسَاكِينكُمْ , إِلَّا فِي ذَهَاب عَنْ الْحَقّ , وَجَوْر عَنْ الرُّشْد مُبِين لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ , أَنَّهُ فِي ضَلَال ; وَهَذَا أَوْلَى وَجْهَيْهِ بِتَأْوِيلِهِ . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ قِيل اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ , فَيَكُون تَأْوِيله حِينَئِذٍ : مَا أَنْتُمْ أَيّهَا الْكَافِرُونَ فِي قِيلكُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ : أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ , إِلَّا فِي ضَلَال مُبِين , عَنْ أَنَّ قِيلكُمْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَلَال .
} وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {
تفسير ابن كثير : يُخْبِر تَعَالَى عَنْ اِسْتِبْعَاد الْكَفَرَة لِقِيَامِ السَّاعَة فِي قَوْلهمْ " مَتَى هَذَا الْوَعْد " يَسْتَعْجِل بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا " .
تفسير القرطبي : لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : " اِتَّقُوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفكُمْ " قَالُوا : " مَتَى هَذَا الْوَعْد " وَكَانَ هَذَا اِسْتِهْزَاء مِنْهُمْ أَيْضًا أَيْ لَا تَحْقِيق لِهَذَا الْوَعِيد .
تفسير الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ وَعِيد اللَّه , وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات , يَسْتَعْجِلُونَ رَبّهمْ بِالْعَذَابِ { مَتَى هَذَا الْوَعْد } : أَيْ الْوَعْد بِقِيَامِ السَّاعَة { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيّهَا الْقَوْم , وَهَذَا قَوْلهمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله .
} مََا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ {
تفسير ابن كثير : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة وَهَذِهِ وَاَللَّه أَعْلَم نَفْخَة الْفَزَع يُنْفَخ فِي الصُّور نَفْخَة الْفَزَع وَالنَّاس فِي أَسْوَاقهمْ وَمَعَايِشهمْ يَخْتَصِمُونَ وَيَتَشَاجَرُونَ عَلَى عَادَتهمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِسْرَافِيل فَنَفَخَ فِي الصُّور نَفْخَة يُطَوِّلهَا وَيَمُدّهَا فَلَا يَبْقَى أَحَد عَلَى وَجْه الْأَرْض إِلَّا أَصْغَى لَيْتًا وَرَفَعَ لَيْتًا وَهِيَ صَفْحَة الْعُنُق يَتَسَمَّع الصَّوْت مِنْ قِبَل السَّمَاء ثُمَّ يُسَاق الْمَوْجُودُونَ مِنْ النَّاس إِلَى مَحْشَر الْقِيَامَة بِالنَّارِ تُحِيط بِهِمْ مِنْ جَوَانِبهمْ .
تفسير القرطبي : مَا يَنْظُرُونَ أَيْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً وَهِيَ نَفْخَة إِسْرَافِيل وَقَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : " إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة " قَالَ : هِيَ النَّفْخَة الْأُولَى فِي الصُّوَر . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَنْفُخ فِي الصُّور وَالنَّاس فِي أَسْوَاقهمْ : فَمِنْ حَالِبٍ لِقْحَةً , وَمِنْ ذَارِعٍ ثَوْبًا , وَمِنْ مَارٍّ فِي حَاجَة . وَرَوَى نُعَيْم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تَقُوم السَّاعَة وَالرَّجُلَانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِهِ فَلَا يَطْوِيَانِهِ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة , وَالرَّجُل يَلِيط حَوْضه لِيَسْقِيَ مَاشِيَته فَمَا يَسْقِيهَا حَتَّى تَقُوم السَّاعَة , وَالرَّجُل يَخْفِض مِيزَانه فَمَا يَرْفَعهُ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة , وَالرَّجُل يَرْفَع أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا يَبْتَلِعُهَا حَتَّى تَقُوم السَّاعَة ) . وَفِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : ( وَأَوَّل مَنْ يَسْمَعهُ رَجُل يَلُوط حَوْض إِبِله - قَالَ فَيُصْعَق وَيُصْعَق النَّاس … ) الْحَدِيث . تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ
أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِي أُمُور دُنْيَاهُمْ فَيَمُوتُونَ فِي مَكَانهمْ ; وَهَذِهِ نَفْخَة الصَّعْق . وَفِي " يَخِصِّمُونَ " خَمْس قِرَاءَات : قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كَثِير : " وَهُمْ يَخَصِّمُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد . وَكَذَا رَوَى وَرْش عَنْ نَافِع . فَأَمَّا أَصْحَاب الْقِرَاءَات وَأَصْحَاب نَافِع سِوَى وَرْش فَرَوَوْا عَنْهُ " يَخْصِّمُونَ " بِإِسْكَانِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد عَلَى الْجَمْع بَيْنَ سَاكِنَيْنِ . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة : " وَهُمْ يَخْصِمُونَ " بِإِسْكَانِ الْخَاء وَتَخْفِيف الصَّاد مِنْ خَصَمَهُ . وَقَرَأَ عَاصِم وَالْكِسَائِيّ " وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " بِكَسْرِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , وَمَعْنَاهُ يَخْصِم بَعْضهمْ بَعْضًا . وَقِيلَ : تَأْخُذهُمْ وَهُمْ عِنْد أَنْفُسهمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْحُجَّة أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ . وَقَدْ رَوَى اِبْن جُبَيْر عَنْ أَبِي بَكْر عَنْ عَاصِم , وَحَمَّاد عَنْ عَاصِم كَسْر الْيَاء وَالْخَاء وَالتَّشْدِيد . قَالَ النَّحَّاس : الْقِرَاءَة الْأُولَى أَبْيَنُهَا , وَالْأَصْل فِيهَا يَخْتَصِمُونَ فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد فَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى الْخَاء . وَفِي حَرْف أُبَيّ " وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ " وَإِسْكَان الْخَاء لَا يَجُوز ; لِأَنَّهُ جَمْع بَيْن سَاكِنَيْنِ وَلَيْسَ أَحَدهمَا حَرْف مَدّ وَلِين . وَقِيلَ : أَسْكَنُوا الْخَاء عَلَى أَصْلهَا , وَالْمَعْنَى يَخْصِم بَعْضهمْ بَعْضًا فَحُذِفَ الْمُضَاف , وَجَازَ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى يَخْصِمُونَ مُجَادِلهمْ عِنْد أَنْفُسهمْ فَحُذِفَ الْمَفْعُول . قَالَ الثَّعْلَبِيّ : وَهِيَ قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب . قَالَ النَّحَّاس : فَأَمَّا " يَخِصِّمُونَ " فَالْأَصْل فِيهِ أَيْضًا يَخْتَصِمُونَ , فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الصَّاد ثُمَّ كُسِرَتْ الْخَاء لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَة أَجْوَد وَأَكْثَر ; فَتَرَكَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ إِلْقَاء حَرَكَة التَّاء عَلَى الْخَاء وَاجْتَلَبَ لَهَا حَرَكَة أُخْرَى وَجَمَعَ بَيْن يَاء وَكَسْرَة , وَزَعَمَ أَنَّهُ أَجْوَد وَأَكْثَر . وَكَيْف يَكُون أَكْثَر وَبِالْفَتْحِ قِرَاءَة الْخَلْق مِنْ أَهْل مَكَّة وَأَهْل الْبَصْرَة وَأَهْل الْمَدِينَة ! وَمَا رُوِيَ عَنْ عَاصِم مِنْ كَسْر الْيَاء وَالْخَاء فَلِلْإِتْبَاعِ . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْبَقَرَة ] فِي " يَخْطَف أَبْصَارهمْ " [ الْبَقَرَة : 20 ] وَفِي [ يُونُس ] " يَهِدِّي " [ يُونُس : 35 ] .
تفسير الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْتَعْجِلُونَ بِوَعِيدِ اللَّه إِيَّاهُمْ , إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ , وَذَلِكَ نَفْخَة الْفَزَع عِنْد قِيَام السَّاعَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , وَجَاءَتْ الْآثَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَثَر : 22332 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَا : ثنا عَوْف بْن أَبِي جَمِيلَة عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة الْقَوَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : لَيُنْفَخَنَّ فِي الصُّور , وَالنَّاس فِي طُرُقهمْ وَأَسْوَاقهمْ وَمَجَالِسهمْ , حَتَّى إِنَّ الثَّوْب لَيَكُون بَيْن الرَّجُلَيْنِ يَتَسَاوَمَانِ , فَمَا يُرْسِلهُ أَحَدهمَا مِنْ يَده حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُل لَيَغْدُو مِنْ بَيْته فَلَا يَرْجِع حَتَّى يُنْفَخ فِي الصُّور , وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّه : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } . . الْآيَة 22333 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " تَهِيج السَّاعَة بِالنَّاسِ وَالرَّجُل يَسْقِي مَاشِيَته , وَالرَّجُل يُصْلِح حَوْضه , وَالرَّجُل يُقِيم سِلْعَته فِي سُوقه وَالرَّجُل يَخْفِض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ , وَتَهِيج بِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ , فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ " 22334 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة } قَالَ : النَّفْخَة نَفْخَة وَاحِدَة 22335 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَإِنَّ اللَّه لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض خَلَقَ الصُّور , فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيل , فَهُوَ وَاضِعه عَلَى فِيهِ شَاخِص بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْش يَنْتَظِر مَتَى يُؤْمَر " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : يَا رَسُول اللَّه : وَمَا الصُّور ؟ قَالَ : " قَرْن " قَالَ : وَكَيْفَ هُوَ ؟ قَالَ : " قَرْن عَظِيم يُنْفَخ فِيهِ ثَلَاث نَفَخَات , الْأُولَى نَفْخَة الْفَزَع , وَالثَّانِيَة نَفْخَة الصَّعْق , وَالثَّالِثَة نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع , فَيَفْزَع أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه فَيُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا , فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ } 38 15 ثُمَّ يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِنَفْخَةِ الصَّعْق , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الصَّعْق , فَيَصْعَق أَهْل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ , ثُمَّ يُمِيت مَنْ بَقِيَ , فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الصَّمَد , بَدَّلَ الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَوَات , فَيَبْسُطهَا وَيَسْطَحهَا , وَيَمُدّهَا مَدّ الْأَدِيم الْعُكَاظِيّ , لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا , ثُمَّ يَزْجُر اللَّه الْخَلْق زَجْرَة , فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْمُبَدَّلَة فِي مِثْل مَوَاضِعهمْ مِنْ الْأُولَى مَا كَانَ فِي بَطْنهَا كَانَ فِي بَطْنهَا , وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرهَا كَانَ عَلَى ظَهْرهَا " . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة : " وَهُمْ يَخْصِّمُونَ " بِسُكُونِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , فَجَمَعَ بَيْن السَّاكِنَيْنِ , بِمَعْنَى : يَخْتَصِمُونَ , ثُمَّ أُدْغِمَ التَّاء فِي الصَّاد فَجَعَلَهَا صَادًا مُشَدَّدَة , وَتَرَكَ الْخَاء عَلَى سُكُونهَا فِي الْأَصْل. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : " وَهُمْ يَخَصِّمُونَ " بِفَتْحِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد بِمَعْنَى : يَخْتَصِمُونَ , غَيْر أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَة التَّاء وَهِيَ الْفَتْحَة الَّتِي فِي يَفْتَعِلُونَ إِلَى الْخَاء مِنْهَا , فَحَرَّكُوهَا بِتَحْرِيكِهَا , وَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد وَشَدَّدُوهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : { يَخِصِّمُونَ } بِكَسْرِ الْخَاء وَتَشْدِيد الصَّاد , فَكَسَرُوا الْخَاء بِكَسْرِ الصَّاد وَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الصَّاد وَشَدَّدُوهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : " يَخْصِمُونَ " بِسُكُونِ الْخَاء وَتَخْفِيف الصَّاد , بِمَعْنَى " يَفْعَلُونَ " مِنْ الْخُصُومَة , وَكَأَنَّ مَعْنَى قَارِئ ذَلِكَ كَذَلِكَ : كَأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ , أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ عِنْده : كَانَ وَهُمْ عِنْد أَنْفُسهمْ يَخْصِمُونَ مِنْ وَعْدهمْ مَجِيء السَّاعَة , وَقِيَام الْقِيَامَة , وَيَغْلِبُونَهُ بِالْجَدَلِ فِي ذَلِكَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ هَذِهِ قِرَاءَات مَشْهُورَات مَعْرُوفَات فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِنَّ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب.
}فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ{
تفسير ابن كثير : وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة " أَيْ عَلَى مَا يَمْلِكُونَهُ , الْأَمْر أَهَمّ مِنْ ذَلِكَ " وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ " وَقَدْ وَرَدَتْ هَهُنَا آثَار وَأَحَادِيث ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِع آخَر ثُمَّ يَكُون بَعْد هَذَا نَفْخَة الصَّعْق الَّتِي تَمُوت بِهَا الْأَحْيَاء كُلّهمْ مَا عَدَا الْحَيّ الْقَيُّوم ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ نَفْخَة الْبَعْث .
تفسير القرطبي : فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أَيْ لَا يَسْتَطِيع بَعْضهمْ أَنْ يُوصِي بَعْضًا لِمَا فِي يَده مِنْ حَقّ . وَقِيلَ : لَا يَسْتَطِيع أَنْ يُوصِي بَعْضهمْ بَعْضًا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاع ; بَلْ يَمُوتُونَ فِي أَسْوَاقهمْ وَمَوَاضِعهمْ .
وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ إِذَا مَاتُوا . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى " وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ " لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمْ قَوْلًا . وَقَالَ قَتَادَة : " وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ " أَيْ إِلَى مَنَازِلهمْ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أُعْجِلُوا عَنْ ذَلِكَ .
تفسير الطبري : وَقَوْله : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عِنْد النَّفْخ فِي الصُّور أَنْ يُوصُوا فِي أَمْوَالهمْ أَحَدًا { وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : وَلَا يَسْتَطِيع مَنْ كَانَ مِنْهُمْ خَارِجًا عَنْ أَهْله أَنْ يَرْجِع إِلَيْهِمْ , لِأَنَّهُمْ لَا يُمْهِلُونَ بِذَلِكَ . وَلَكِنْ يُعَجِّلُونَ بِالْهَلَاكِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22336 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } : أَيْ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ { وَلَا إِلَى أَهْلهمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : أُعْجِلُوا عَنْ ذَلِكَ 22337 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة } .. الْآيَة , قَالَ : هَذَا مُبْتَدَأ يَوْم الْقِيَامَة , وَقَرَأَ : { فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَة } حَتَّى بَلَغَ { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ }
}وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ{
تفسير ابن كثير : هَذِهِ هِيَ النَّفْخَة الثَّالِثَة وَهِيَ نَفْخَة الْبَعْث وَالنُّشُور لِلْقِيَامِ مِنْ الْأَجْدَاث وَالْقُبُور وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : " فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ " وَالنَّسَلَان هُوَ الْمَشْي السَّرِيع كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يَوْم يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُب يُوفِضُونَ " .
تفسير القرطبي : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هَذِهِ النَّفْخَة الثَّانِيَة لِلنَّشْأَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَة [ النَّمْل ] أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاث . وَهَذِهِ الْآيَة دَالَّة عَلَى ذَلِكَ . وَرَوَى الْمُبَارَك بْن فَضَالَة عَنْ الْحَسَن قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَة : الْأُولَى يُمِيت اللَّه بِهَا كُلّ حَيّ , وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّه بِهَا كُلّ مَيِّت ) . وَقَالَ قَتَادَة : الصُّور جَمْع صُورَة ; أَيْ نُفِخَ فِي الصُّور وَالْأَرْوَاح . وَصُورَة وَصُور مِثْل سُورَة الْبِنَاء وَسُور ; قَالَ الْعَجَّاج : وَرُبَّ ذِي سُرَادِقٍ مَحْجُورِ سِرْت إِلَيْهِ فِي أَعَالِي السُّورِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَرَأَ : " وَنُفِخَ فِي الصُّور " . النَّحَّاس : وَالصَّحِيح أَنَّ " الصُّور " بِإِسْكَانِ الْوَاو : الْقَرْن ; جَاءَ بِذَلِكَ التَّوْقِيف عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب . أَنْشَدَ أَهْل اللُّغَة : نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الْغَوْرَيْنِ بِالضَّابِحَاتِ فِي غُبَارِ النَّقْعَيْنِ نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ الْأَنْعَام ] مُسْتَوْفًى . فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ أَيْ الْقُبُور . وَقُرِئَ بِالْفَاءِ " مِنْ الْأَجْدَاف " ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . يُقَال : جَدَث وَجَدَف . وَاللُّغَة الْفَصِيحَة الْجَدَث ( بِالثَّاءِ ) وَالْجَمْع أَجْدُث وَأَجْدَاث ; قَالَ الْمُتَنَخِّل الْهُذَلِيّ : عَرَفْت بِأَجْدُثٍ فَنِعَافِ عِرْقٍ عَلَامَاتٍ كَتَحْبِيرِ النِّمَاطِ وَاجْتَدَثَ : أَيْ اِتَّخَذَ جَدَثًا . إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ أَيْ يَخْرُجُونَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِك تَنْسُلِي وَمِنْهُ قِيلَ لِلْوَلَدِ نَسْل ; لِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْ بَطْن أُمِّهِ . وَقِيلَ : يُسْرِعُونَ . وَالنَّسَلَان وَالْعَسَلَان : الْإِسْرَاع فِي السَّيْر , وَمِنْهُ مِشْيَة الذِّئْب ; قَالَ : عَسَلَانُ الذِّئْبِ أَمْسَى قَارِبًا بَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ يُقَال : عَسَلَ الذِّئْب وَنَسَلَ , يَعْسِل وَيَنْسِل , مِنْ بَاب ضَرَبَ يَضْرِب . وَيُقَال : يَنْسُل بِالضَّمِّ أَيْضًا . وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي ; فَالْمَعْنَى يَخْرُجُونَ مُسْرِعِينَ . وَفِي التَّنْزِيل : " مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَة " [ لُقْمَان : 28 ] , وَقَالَ : " يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث كَأَنَّهُمْ جَرَاد مُنْتَشِر " [ الْقَمَر : 7 ] , وَفِي " سَأَلَ سَائِل " [ الْمَعَارِج : 1 ] " يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاث سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُب يُوفِضُونَ " [ الْمَعَارِج : 43 ] أَيْ يُسْرِعُونَ . وَفِي الْخَبَر : شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّعْف فَقَالَ : ( عَلَيْكُمْ بِالنَّسْلِ ) أَيْ بِالْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْي فَإِنَّهُ يُنَشِّط .
تفسير الطبري : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنُفِخَ فِي الصُّور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَنُفِخَ فِي الصُّور } وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَيُعْنَى بِهَذِهِ النَّفْخَة , نَفْخَة الْبَعْث .
فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ وَقَوْله : { فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث } يَعْنِي مِنْ أَجْدَاثهمْ , وَهِيَ قُبُورهمْ , وَاحِدهَا جَدَث , وَفِيهَا لُغَتَانِ , فَأَمَّا أَهْل الْعَالِيَة , فَتَقُولهُ بِالثَّاءِ : جَدَث , وَأَمَّا أَهْل السَّافِلَة فَتَقُولهُ بِالْفَاءِ جَدَف . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22338 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مِنْ الْأَجْدَاث إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } يَقُول : مِنْ الْقُبُور 22339 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَإِذَا هُمْ مِنْ الْأَجْدَاث } : أَيْ مِنْ الْقُبُور إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ وَقَوْله : { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } يَقُول : إِلَى رَبّهمْ يَخْرُجُونَ سِرَاعًا , وَالنَّسْلَانِ : الْإِسْرَاع فِي الْمَشْي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22340 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَنْسِلُونَ } يَقُول : يَخْرُجُونَ 22341 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِلَى رَبّهمْ يَنْسِلُونَ } : أَيْ
}قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المرسلون{
تفسير ابن كثير : " قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا " يَعْنُونَ قُبُورهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الدَّار الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ مِنْهَا فَلَمَّا عَايَنُوا مَا كَذَّبُوا بِهِ فِي مَحْشَرهمْ " قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا " وَهَذَا لَا يَنْفِي عَذَابهمْ فِي قُبُورهمْ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْده فِي الشِّدَّة كَالرُّقَادِ. قَالَ أُبَيّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة يَنَامُونَ نَوْمَة قَبْل الْبَعْث قَالَ قَتَادَة وَذَلِكَ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ أَجَابَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ قَالَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " وَقَالَ الْحَسَن إِنَّمَا يُجِيبهُمْ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ وَلَا مُنَافَاة إِذْ الْجَمْع مُمْكِن وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : الْجَمِيع مِنْ قَوْل الْكُفَّار " يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " نَقَلَهُ اِبْن جَرِير وَاخْتَارَ الْأَوَّل , وَهُوَ أَصَحّ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الصَّافَّات " وَقَالُوا يَا وَيْلنَا هَذَا يَوْم الدِّين هَذَا يَوْم الْفَصْل الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ " وَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقْسِم الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَاب اللَّه إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " .
تفسير القرطبي قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : " يَا وَيْلَنَا " وَقْف حَسَن ثُمَّ تَبْتَدِئ " مَنْ بَعَثَنَا " وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء " يَا وَيْلنَا مِنْ بَعْثِنَا " بِكَسْرِ مِنْ وَالثَّاء مِنْ الْبَعْث . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ; فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَب لَا يَحْسُن الْوَقْف عَلَى قَوْله : " يَا وَيْلَنَا " حَتَّى يَقُول : " مِنْ مَرْقَدِنَا " . وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب " مَنْ هَبَّنَا " بِالْوَصْلِ " مِنْ مَرْقَدنَا " فَهَذَا دَلِيل عَلَى صِحَّة مَذْهَب الْعَامَّة . قَالَ الْمَهْدَوِيّ : قَرَأَ اِبْن أَبِي لَيْلَى : " قَالُوا يَا وَيْلَتَنَا " بِزِيَادَةِ تَاء وَهُوَ تَأْنِيث الْوَيْل , وَمِثْله : " يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوز " [ هُود : 72 ] . وَقَرَأَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " يَا وَيْلَتَا مِنْ بَعْثِنَا " فَـ " مِنْ " مُتَعَلِّقَة بِالْوَيْلِ أَوْ حَال مِنْ " وَيْلَتَا " فَتَتَعَلَّق بِمَحْذُوفٍ ; كَأَنَّهُ قَالَ : يَا وَيْلَتَا كَائِنًا مِنْ بَعْثِنَا ; وَكَمَا يَجُوز أَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُ كَذَلِكَ يَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْهُ . وَ " مِنْ " مِنْ قَوْله : " مِنْ مَرْقَدنَا " مُتَعَلِّقَة بِنَفْسِ الْبَعْث . ثُمَّ قِيلَ : كَيْف قَالُوا هَذَا وَهُمْ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ فِي قُبُورهمْ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ : يَنَامُونَ نَوْمَة . وَفِي رِوَايَة فَيَقُولُونَ : يَا وَيْلَتَا مَنْ أَهَبَّنَا مِنْ مَرْقَدنَا . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : لَا يُحْمَل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ " أَهَبَّنَا " مِنْ لَفْظ الْقُرْآن كَمَا قَالَهُ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن , وَلَكِنَّهُ تَفْسِير " بَعَثَنَا " أَوْ مُعَبِّر عَنْ بَعْض مَعَانِيه . قَالَ أَبُو بَكْر : وَكَذَا حُفِّظْته " مَنْ هَبَّنَا " بِغَيْرِ أَلِف فِي أَهَبَّنَا مَعَ تَسْكِين نُون مَنْ . وَالصَّوَاب فِيهِ عَلَى طَرِيق اللُّغَة " مَنَ اَهَبَّنَا " بِفَتْحِ النُّون عَلَى أَنَّ فَتْحَة هَمْزَة أَهَبَّ أُلْقِيَتْ عَلَى نُون " مَنْ " وَأُسْقِطَتْ الْهَمْزَة ; كَمَا قَالَتْ الْعَرَب : مَنْ أَخْبَرَك مَنْ أَعْلَمَك ؟ وَهُمْ يُرِيدُونَ مَنْ أَخْبَرَك . وَيُقَال : أَهَبَبْت النَّائِم فَهَبَّ النَّائِم . أَنْشَدَنَا أَحْمَد بْن يَحْيَى النَّحْوِيّ : وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومَنِي وَلَمْ يَعْتَمِرْنِي قَبْلَ ذَاكَ عَذُول وَقَالَ أَبُو صَالِح : إِذَا نُفِخَ النَّفْخَة الْأُولَى رُفِعَ الْعَذَاب عَنْ أَهْل الْقُبُور وَهَجَعُوا هَجْعَة إِلَى النَّفْخَة الثَّانِيَة وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَة ; فَذَلِكَ قَوْلهمْ : " مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : إِنَّ الْكُفَّار إِذَا عَايَنُوا جَهَنَّم وَمَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاع الْعَذَاب صَارَ مَا عُذِّبُوا بِهِ فِي قُبُورهمْ إِلَى جَنْب عَذَابهَا كَالنَّوْمِ .
مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ قَالَ مُجَاهِد : فَقَالَ لَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " . قَالَ قَتَادَة : فَقَالَ لَهُمْ مَنْ هَدَى اللَّه : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " . وَقَالَ الْفَرَّاء : فَقَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " . النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْأَقْوَال مُتَّفِقَة ; لِأَنَّ الْمَلَائِكَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَمِمَّنْ هَدَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَعَلَى هَذَا يُتَأَوَّل قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هُمْ خَيْر الْبَرِّيَّة " [ الْبَيِّنَة : 7 ] وَكَذَا الْحَدِيث : ( الْمُؤْمِن عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ كُلّ مَا خَلَقَ ) . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَهُمْ : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " . وَقِيلَ : إِنَّ الْكُفَّار لَمَّا قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : " مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا " صَدَّقُوا الرُّسُل لَمَّا عَايَنُوا مَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ , ثُمَّ قَالُوا : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ " فَكَذَّبْنَا بِهِ ; أَقَرُّوا حِين لَمْ يَنْفَعهُمْ الْإِقْرَار . وَكَانَ حَفْص يَقِف عَلَى " مِنْ مَرْقَدنَا " ثُمَّ يَبْتَدِئ فَيَقُول : " هَذَا " . قَالَ أَبُو بَكْر بْن الْأَنْبَارِيّ : " مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا " وَقْف حَسَن ; ثُمَّ تَبْتَدِئ : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " وَيَجُوز أَنْ تَقِف عَلَى مَرْقَدنَا هَذَا " فَتَخْفِض هَذَا عَلَى الْإِتْبَاع لِلْمَرْقَدِ , وَتَبْتَدِئ : " مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " عَلَى مَعْنَى بَعَثَكُمْ مَا وَعَدَ الرَّحْمَن ; أَيْ بَعَثَكُمْ وَعْد الرَّحْمَن . النَّحَّاس : التَّمَام عَلَى " مِنْ مَرْقَدنَا " وَ " هَذَا " فِي مَوْضِع رَفَعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره " مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى النَّعْت لِـ " مَرْقَدنَا " فَيَكُون التَّمَام " مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا " . " مَا وَعَدَ الرَّحْمَن " فِي مَوْضِع رَفْع مِنْ ثَلَاث جِهَات . ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاق مِنْهَا اِثْنَتَيْنِ قَالَ : يَكُون بِإِضْمَارِ هَذَا . وَالْجِهَة الثَّانِيَة أَنْ يَكُون بِمَعْنَى حَقّ مَا وَعَدَ الرَّحْمَن بَعْثكُمْ . وَالْجِهَة الثَّالِثَة أَنْ يَكُون بِمَعْنَى بَعَثَكُمْ مَا وَعَدَ الرَّحْمَن .
تفسير الطبري : وَقَوْله : { قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَة الْبَعْث لِمَوْقِفِ الْقِيَامَة فَرُدَّتْ أَرْوَاحهمْ إِلَى أَجْسَامهمْ , وَذَلِكَ بَعْد نَوْمَة نَامُوهَا : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ نَوْمَة بَيْن النَّفْخَتَيْنِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22342 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مِنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } قَالَ : نَامُوا نَوْمَة قَبْل الْبَعْث 22343 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ خَيْثَمَة فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } قَالَ : يَنَامُونَ نَوْمَة قَبْل الْبَعْث 22344 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالُوا يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } هَذَا قَوْل أَهْل الضَّلَالَة . وَالرَّقْدَة : مَا بَيْن النَّفْخَتَيْنِ 22345 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا } قَالَ : الْكَافِرُونَ يَقُولُونَهُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا } مَنْ أَيْقَظَنَا مِنْ مَنَامنَا , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ : بَعَثَ فُلَان نَاقَته فَانْبَعَثَتْ , إِذَا أَثَارَهَا فَثَارَتْ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " مَنْ أَهَبَّنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا " . وَفِي قَوْله : { هَذَا } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون إِشَارَة إِلَى " مَا " , وَيَكُون ذَلِكَ كَلَامًا مُبْتَدَأ بَعْد تَنَاهِي الْخَبَر الْأَوَّل بِقَوْلِهِ : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } فَتَكُون " مَا " حِينَئِذٍ مَرْفُوعَة بِهَذَا , وَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : هَذَا وَعْد الرَّحْمَن وَصِدْق الْمُرْسَلُونَ . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون مِنْ صِفَة الْمَرْقَد , وَتَكُون خَفْضًا وَرَدًّا عَلَى الْمَرْقَد , وَعِنْد تَمَام الْخَبَر عَنْ الْأَوَّل , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا , ثُمَّ يَبْتَدِئ الْكَلَام فَيُقَال : مَا وَعَدَ الرَّحْمَن , بِمَعْنَى : بَعَثَكُمْ وَعْد الرَّحْمَن , فَتَكُون " مَا " حِينَئِذٍ رَفْعًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي يَقُول حِينَئِذٍ : هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَقُول ذَلِكَ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22346 حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن } مِمَّا سَرَّ الْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ هَذَا حِين الْبَعْث 22347 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } قَالَ : قَالَ أَهْل الْهُدَى : هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الَمُرْسَلُونَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ , أَعْنِي { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } مِنْ قَوْل الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22348 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } ثُمَّ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } كَانُوا أَخْبَرُونَا أَنَّا نُبْعَث بَعْد الْمَوْت , وَنُحَاسَب وَنُجَازَى وَالْقَوْل الْأَوَّل أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , وَهُوَ أَنْ يَكُون مِنْ كَلَام الْمُؤْمِنِينَ , لِأَنَّ الْكُفَّار فِي قِيلهمْ : { مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا بِمَنْ بَعَثَهُمْ مِنْ مَرْقَدهمْ جُهَّالًا , وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلهمْ اِسْتَثْبَتُوا , وَمُحَال أَنْ يَكُونُوا اِسْتَثْبَتُوا ذَلِكَ إِلَّا مِنْ غَيْرهمْ , مِمَّنْ خَالَفَتْ صِفَته صِفَتهمْ فِي ذَلِكَ .
}إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ{
تفسير ابن كثير : وَقَوْله تَعَالَى : " إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ " كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ " وَقَالَ جَلَّتْ عَظَمَته " وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر أَوْ هُوَ أَقْرَب " وَقَالَ جَلَّ جَلَاله " يَوْم يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا " أَيْ إِنَّمَا نَأْمُرهُمْ أَمْرًا وَاحِدًا فَإِذَا الْجَمِيع مُحْضَرُونَ .
تفسير القرطبي : إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً يَعْنِي إِنَّ بَعْثَهُمْ وَإِحْيَاءَهُمْ كَانَ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَة وَهِيَ قَوْل إِسْرَافِيل : أَيَّتهَا الْعِظَام الْبَالِيَة , وَالْأَوْصَال الْمُتَقَطِّعَة وَالشُّعُور الْمُتَمَزِّقَة ! إِنَّ اللَّه يَأْمُركُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاء . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ الْحَقّ : " يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْم الْخُرُوج . " [ قِ : 42 ] . وَقَالَ : " مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاع " [ الْقَمَر : 8 ] عَلَى مَا يَأْتِي . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود إِنْ صَحَّ عَنْهُ " إِنْ كَانَتْ إِلَّا زَقْيَةً وَاحِدَة " وَالزَّقْيَة الصَّيْحَة ; وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا . فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
" فَإِذَا هُمْ " مُبْتَدَأ وَخَبَره " جَمِيع " نَكِرَة , وَ " مُحْضَرُونَ " مِنْ صِفَته . وَمَعْنَى " مُحْضَرُونَ " مَجْمُوعُونَ أُحْضِرُوا مَوْقِف الْحِسَاب ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ : " وَمَا أَمْر السَّاعَة إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَر " [ النَّحْل : 77 ] .
تفسير الطبري : وَقَوْله : { إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ كَانَتْ إِعَادَتهمْ أَحْيَاء بَعْد مَمَاتهمْ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة , وَهِيَ النَّفْخَة الثَّالِثَة فِي الصُّور { فَإِذَا هُمْ جَمِيع لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ } يَقُول : فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ لَدَيْنَا قَدْ أُحْضِرُوا , فَأُشْهِدُوا مَوْقِف الْعَرْض وَالْحِسَاب , لَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَد . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي قِرَاءَتهمْ { إِلَّا صَيْحَة } بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق