السبت، 30 مارس 2013

الأعداد في أحاديث خير العباد 5

الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
***
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
(العدد ستة)
***

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلِّم عليه , وإذا دعاك فأجبه , وإذا استنصحك فانصح له , وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّته , وإذا مرض فعُدْه , وإذا مات فاتبعه )) رواه مسلم .


بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد ستة قد جاء في هذا الحديث الشريف الصحيح ليبين لنا حق المسلم على المسلم فالمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يخونه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يظلمه وهو معه كالبنيان والمرصوص يشد بعضه بعضا ، والمسلم هو من شهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقام الصلاة وآت الزكاة وصام رمضان وحج البيت ما استطاع إليه سبيلا ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمسلم الحق هو من سلم قلبه لله تعالى واستسلم له جل شأنه ، وسلم قلبه من الغش والحسد وعمل بما أنزل الله تعالى ، وهو الذي يفخر ويعتز بإسلامه وبأنه من المسلمين : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قولا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالحا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ) فصلت 33 ، وهو الذي يطبق الإسلام تطبيقا عمليا بسماحة وبشاشة ويسر متأسيا بالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بين أن ابتسامك أيها المسلم في وجه أخيك صدقة لك وعرفنا حقوق المسلم على المسلم وهو حقوق يؤديها المسلم لأخيه المسلم حينما يحين حينها ويأتي أوانها وتنعقد أسبابها ، وهي حقوق للمسلم أيضا له سوف تُؤدى له من غيره فهو له ذات الحقوق التي يؤديها فبذا ينتشر الود والحب بين المسلمين وتسود الألفة بينهم وتُحفظ الحقوق وتُصان ، وجدير بالذكر أن أي خلل في العلاقات الحميدة بين المسلم والمسلم قرين ضياع تلك الحقوق وعدم صيانتها والتفريط في أدائها على الوجه المطلوب ، فما أحوجنا إلى التفاني في الإستمساك بكل ما يؤدي إلى علاقات حميدة بين المسلم والمسلم حتى يصلح الفرد المسلم وبالتالي تصلح الجماعات والمجتمعات الإسلامية والبلدان والأقطار والأمة الإسلامية كلها ولنستعرض تلك الحقوق الست :


الحق الأول : ( إذا لقيته فسلِّم عليه )


السلام شعار الإسلام والمسلمين وهو تحيتهم في الدنيا والآخرة ، وهو سبب من أسباب التواد والمحبة بين المسلمين وقد أمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام بين المسلمين حيث قال ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ) ، فإفشاء السلام وسيلة ورسالة سامية للمسلم يحرص عليها ويؤديها باستمرار ويسلم على من عرف ومن لم يعرف لأن السلام لا يختص به المسلم من عرف من الناس بل يمتد ليشمل من لم يعرف أيضا فيأتي التعارف والإخاء والرحمة والوئام الإجتماعي المطلوب لصلاح الفرد والجماعات وهو إعلام وإعلان للمسلم عليه أنه سالم من الأذى آمن من الخوف مطمئن أنه في رحاب صفو وسكينة فلا يفزع ولا ينزعج ولا يرتاب فيمن قابله فيبدأ اللقاء بهذا المحتوي النوراني الجميل فيحلو ما بعد السلام من كلام ويمتاز بالفضائل والمزايا ، وصيغة السلام التي يأخذ المسلم عليها الدرجة الكاملة والأجر الوافي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وكل كلمة لها عشر حسنات والله يضاعف لمن يشاء برحمته ورضوانه ، والبدء بالسلام سنة ورده فرض ، وتجديد السلام إذا حجبك عن أخيك المسلم حاجب أو بنيان أو شجرة هو من دواعي زيادة الأمن والسلام والطمأنينة في النفوس وزيادة في الأجر والمثوبة ، ويشمل السلام سلام الرجل على أهل بيته إذا دخل بيته وحدد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كيفية إفشاء السلام بين المسلمين بأن يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على الواقف ، والصغير على الكبير بالكيفية التطبيقية الصحيحة لذلك ويجب على المسلم تعليم أبناءه ذلك وتعويدهم عليه واستمرار متابعته لهم حتى يمتزج السلام في وجدانهم ويختمر في أنفسهم وأرواحهم ، وأوضح صلى الله عليه وسلم كيفية رد السلام في حالة سلام الفرد على جماعة وإنابة أحدهم أو بعضهم في رد السلام عن بقيتهم ومن فضل الله ورحمته أن جعل السلام تحية أهل الجنة (تحيتهم فيها سلام) اللهم اجعلنا من أهل السلام في الدنيا والآخرة يا رب العالمين .


الحق الثاني : ( وإذا دعاك فأجبه )


إذا دعى المسلم المسلم فمن حق الداعي على المدعو أن يجيب الدعوة ويحرص على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا خاصة في وليمة النكاح وكل ما يتعلق بالدعوة التي فيها اجتماع خير وفق سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ففي ذلك تطبيق للسنة المحمدية وزيادة لروابط الألفة والمحبة وإدخال السرور والبهجة على نفس الداعي وإشعاره بالتقارب والحسنى خاصة حينما يجد الدعم المعنوي وعرض الدعم المادي عليه من أقربائه وجيرانه وأصدقائه المدعوين ، فالغاية غاية حميدة لأن المسلمين لا يجتمعون إلا على الخير والصلاح لذا لا يجب إجابة دعوة فيها مخالفات شرعية أو لهو أو فجور أو فسوق والعياذ بالله تعالى ، وتجنب ما يشوب الدعوات الصحيحة من مهاترات أو مخالفات أو تجاوزات حتى تكون الدعوة وإجابتها في طاعة الله تعالى وطاعة ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكما تؤدي حق أخيك المسلم فلك حق تلقي إجابات المسلمين الذين دعوتهم فكما عليك حقوق فلك حقوق مثلها فلنحسن أداء ذلك .


الحق الثالث : ( وإذا استنصحك فانصح له )


الدين النصيحة كما أوضح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم النصيحة لأولياء الأمور ولخاصة المسلمين وعامتهم في صدق وسلامة صدر وحكمة رأي وحسن سريرة ، فإن ذلك من حقوق المسلم على المسلم فالنصح يؤدي إلى نتائج طيبة وما خاب من استشار واستنصح وسأل أخاه المسلم الرأي والمشورة في الأمور التي تختلط عليه واختار الناصح الأمين المشهود له بالنزاهة والصدق ، ونلاحظ قول الحبيب المصطفى صلى الهَ عليه وسلم (استنصحك) أي طلب النصح ، فالنصح يكون حقا واجب الأداء بتجرد ومصداقية أما إذا لم يطلب النصح فلا نصح واجب له ، إلا إذا رأى المسلم أخاه ينزلق من منزلق خطر فيبادر هو بالنصح له ، فلربما كان غافلا عن ذلك فإنقاذه حينئذ والمبادرة بنصحه يكون واجبا حتى تتحقق مصلحته في النجاة ، ويجب أن يكون النصح برفق فالنصيحة على الملأ فضيحة كما يجب أن يكون بأسلوب هين لين محبب للنفوس بعيدا عن الغلظة والشدة والجفاء .. أسلوب يجذب الإنسان المنصوح إلى الناصح فيبتهج قلبه ويسعد وجدانه وتنبسط جوارحه فيتحول النصح لمنهاج عملي يقيل المنصوح من عثرته ويقيمه من حفرته ويسير به على صراط مستقيم ويمهد له طريق الفلاح والنجاح .


الحق الرابع : ( وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّته )


الحق الرابع للمسلم على أخيه المسلم إنه إذا عطس فحمد الله تعالى فشمته ونلاحظ حرف الفاء الدالة المسارعة في حمد الله تعالى بعد العطاس للعاطس والمسارعة في التشميت للمشمت ، ولكي ندرك معنى العطاس والتشميت ذهبت لقواميس اللغة لمعرفة ذلك :
( عَطَسَ الرجل يَعْطِس، بالكسر، ويَعْطُس، بالضم، عَطْساً وعُطاساً وعَطْسة، والاسم العُطاس وفي الحديث: كان يُحِب العُطاس ويكره التَّثاؤب. قال ابن الأَثير: إِنما أَحبَّ العُطاس لأَنه إِنما يكون مع خفة البدن وانفتاح المسامِّ وتيسير الحركات، والتثاؤب بخلافه، وسبب هذه الأَوصاف تخفيفُ الغذاء والإِقلال من الطعام والشراب ، إنَّ اللهَ يُحِبُ العُطاسَ ويكره التَثاؤب , والمَعْطِس والمَعْطس: الأَنف لأَن العُطاس منه يخرج. قال الأَزهري: المَعْطِسُ، بكسر الطاء لا غير، وهذا يدل على أَن اللغة الجيّدة يَعْطِسُ، بالكسر. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: لا يُرْغِم اللَّهُ إِلا هذه المَعاطس؛ هي الأُنوف. والعاطُوس: ما يُعْطَسُ منه، مثَّل به سيبويه وفسره السيرافي. وعَطَسَ الصُّبح: انفلق . وفي الحديث: أَنه عَطَسَ عنده رجل فشَمَّته رجل ثم عَطَس فشَمَّته رجل ثم عَطَس فأَراد أَن يُشَمِّته، فقال: دَعْه فإنه مَضْنُوك أَي مزْكوم؛ قال ابن الأثير: والقياس أَن يقال فهو مُضْنَك ومُزْكَم، ولكنه جاء على أُضْنِك وأُزْكِم .
وتَشْمِيتُ العاطسِ: الدُّعاءُ له. ابن سيده: شَمَّتَ العاطِسَ؛ وسَمَّتَ عليه دَعا له أَن لا يكون في حال يُشْمَتُ به فيها؛ والسين لغة ، عن يعقوب . وكل داعٍ لأَحدٍ بخير، فهو مُشَمِّت له، ومُسَمِّتٌ، بالشين والسين، والشينُ أَعلى وأَفْشَى في كلامهم . التهذيب : كلُّ دعاءٍ بخيرٍ ، فهو تَشْمِيتٌ . وفي حديث زواج فاطمة لعليّ، رضي الله عنهما: فأَتاهما ، فدعا لهما ، وشَمَّتَ عليهما ، ثم خَرجَ . وحكي عن ثعلب أَنه قال: الأَصل فيها السين، من السَّمْتِ، وهو القَصْدُ والهَدْيُ . وفي حديث العُطاسِ: فشَمَّتَ أَحدَهما، ولم يُشَمِّت الآخرَ؛ التَّشْمِيتُ والتَّسْميتُ: الدعاءُ بالخير والبركة؛ والمعجمةُ أَعلاها. شَمَّته وشَمَّتَ عليه، وهو من الشَّوامِتِ القوائم، كأَنه دُعاءٌ للعاطس بالثبات على طاعة الله؛ وقيل: معناه أَبْعَدَك الله عن الشَّماتةِ، وجَنَّبك ما يُشْمَتُ به عليك. ) انتهى ما نقلته من الباحث العربي للقواميس .

وأقول أن العطاس فيه فوائد جمة للجسم ولكنه له آثار كبيرة على الإنسان إذ أن الحجاب الحاجز يرتفع كما جاء في تقرير طبي ذكر أن المرأة الحامل يمكن في ظروف معينة أن تفقد حملها بعطسة واحدة لولا لطف الله عز وجل لذا فقول العاطس الحمد لله هو حمده لله تعالى وشكره أن نجاه من الآثار الجانبية من العطسة ، فيتلقى دعوة المشمت : يرحمك الله برحمته فيرد عليه بدعوة مماثلة يهديكم الله ويصلح بالكم ، يرحمنا ويرحمك الله فتنساب الألفة والمحبة بينهما وتدوم المودة بينهما إذ أن المسلم إما عاطس يحمد الله فيشمته أخوه فيدعو له بالهدى وصلاح البال والرحمة وإما سامع لحمد أخيه المسلم بعد عطاسه فيشمته فينال تلك الدعوات الصالحات ، ويجدر بالعاطس أن يعطس في رداء أو منديل يحجب عطاسه عن الآخرين لكي لا يتناثر رزاز عطاسه على الناس فيعديهم خاصة إذا كان مصابا ببرد أو زكام وأن يخفض صوت عطاسه بقدر ما يستطيع حتى لا يزعج الآخرين بصوته ، وللنظر ونتأمل كيف نظم الإسلام العلاقات بين المسلمين فلم يترك شاردة ولا واردة إلا حدد لها تصرفا وسلوكا يحقق مزيد الود والخير والوئام بينهم فالحمد لله رب العالمين .


الحق الخامس : (وإذا مرض فعُدْه)


المرض ابتلاء من الله تعالى يبتلي به العبد المسلم ليختبر صبره ويمتحن رضاه بقضاء الله تعالى وقدره ، وله به الأجر من الله تعالى لأن المسلم ما أصابه من هم أو غم أو نصب أو مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها عن خطاياه ، فهو مأجور إن صبر وهو آثم إن ضجر وتململ وسخط ، وجعل الله تعالى للمسلم حقا عن أخيه المسلم إن مرض أن يعوده ويزوره ويجلس عنده قليلا يؤنسه ويواسيه ويدعو اللهَ له بالشفاء ويصبره ويذكره بالله تعالى وابتلائه ويخفف عنه سقمه ومعاناته وقد جاء بالحديث القدسي عتاب اللهُ عز وجل لعبده الذي لا يزور أخاه المسلم المريض (مرضت فلم تعدني) ، (كيف تمرض وأنت رب العالمين ) ، (مرض عبدي فلان ولم تعده ولو عدته لوجدتني عنده) الحديث ، كما حض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على زيارة المريض والدعاء له وعلمنا آداب زيارة المريض وجعلها حقا من حقوق المسلم على المسلم تحقق الألفة بينهما وتؤكد العلاقات الطيبة بينهما في السراء والضراء ، وكما يزور المسلم أخاه المسلم المريض فسوف يُزار من قبل أخيه المسلم إذا مرض وهكذا يكون المرض وسيلة تآخي وتواد وتراحم بين المسلمين ، أسأل الله تعالى أن يعافينا من كل مرض وأن يرزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة .


الحق السادس : (وإذا مات فاتبعه)


لا تتوقف حقوق المسلم لأخيه المسلم على حياته بل تمتد إلى مماته فمن حق المسلم لأخيه المسلم أن يتبع جنازته ويشيعه لمثواه الأخير ويبادر فور سماعه خبر موته إلى ملازمة غسله وتجهيزه إن كان من جيرانه أو أرحامه حتى يصلى عليه ويدخل قبره ويدعو له بالرحمة والمغفرة فمن فعل ذلك فقد أدى حقا من حقوق أخيه المسلم ونال قيراطين من الأجر كل قيراط مثل جبل أحد ذهبا ، وسوف يشيع المسلم يوما ما فسوف يجد من يشيعه كما شيع هو إخوانه المسلمين وسوف ينال دعواتهم بالرحمة والمغفرة كما دعا هو لهم فالحقوق متبادلة الأداء يمتد نورها وبركتها إلى عالم البرزخ بفضل الله تعالى ورحمته .

***

العدد (خمسة)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حق المسلم على المسلم خمس رد السلام و عيادة المريض و اتباع الجنائز و إجابة الدعوة و تشميت العاطس ) متفق عليه .

وقد ورد العدد خمسة في حقوق المسلم على المسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وقد سبق استعراضها آنفا والحمد لله رب العالمين

***

فاللهم وفقنا لأن نؤدي حقوق أخواننا المسلمين في صدق وأمانة وإخلاص القلب لك يا رب العالمين اللهم اجز عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء وارزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


الجمعة، 29 مارس 2013

الأعداد في أحاديث خير العباد 4




الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
***
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري
الصبري

****
العدد (سبعة)
***
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " متفق عليه

***
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد (سبعة) قد جاء في هذا الحديث الشريف المتفق عليه ليبين لنا (سبعة) من العباد الموعودين بالتظلل بظل الله يوم القيامة وهو ظل عرشه .. ظل ملكه .. ظل رحمته .. حيث لا ظل إلا ظله جل وعلا ، في يوم يجعل الولدان شيبا وتذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، يوم حره شديد تدنو الشمس من الأرض يبلغ العرق فيه مواضع مختلفة من عبد لعبد فمنهم من يبلغ نصف سيقانه ومنهم من يبلغ ركبتيه ومنهم من يبلغ سرته ومنهم من يبلغ خاصرته ومنهم من يلجمه العرق ومنهم من يبلغ العرق آذانه ، ومنهم من يغرق في عرقه ، فاللهم سلم في هذا اليوم يوم التغابن يوم الحساب يوم القارعة يوم الطامة الكبرى يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم شأن يغنيه يوم فزعه رهيب يتخلى فيه القريب عن القريب ويقول نفسي نفسي حيث الحساب والثواب والعقاب حيث الميزان الذي تطير فيه الكتب وتطيش فيه السجلات والصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف يمر فيه ناس كالبرق وناس كالريح وناس مسرعين ناس ماشين وناس زاحفين وفيه ناس ناجون بسلام وناس ناجون منهوشون وناس هاوون في الجحيم والعياذ بالله تعالى ، في هذا الهول المطبق يجعل الله تعالى لعباده الصالحين مقيلا وارفا يتفيئون فيه نزل الهناء والسلام والطمأنينة حتى يحين وقت حسابهم فهم موعودون بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يسقيهم الحبيب المصطفى بيده الشريفة شربة هنيئة مريئة لا يظمئون بعدها أبدا ، وحوضه الشريف صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل كيزانه عدد نجوم السماء فمن صدق في محبته واتبع سنته صلى الله عليه وسلم نال هذا الشراب الصافي من حوضه صلى الله عليه وسلم ، هذا لعموم المسلمين الصالحين الصادقين المحسنين .
وقد حدد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( سبعة ) يظلهم الله تعالى في ظله جلا وعلا يوم لا ظل إلا ظله ولا فضل إلا فضله ولا بسط إلا بسطه ولا كرم إلا كرمه ولا رحمة إلا رحمته ولا سلطان إلا سلطانه فاللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين واجعلنا ممن يحظون بمواصفات هؤلاء السبعة كلهم حتى ننال خير ما عندك فياربنا لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا وعاملنا بما أنت له أهل ولا تعاملنا بما نحن له أهل إنك أهل التقوى وأهل المغفرة حليم كريم عفو تواب تحب العفو فاعفُ عنا يا كريم ....

ولنستعرض هؤلاء السبعة :


الأول : ( الإِمَامُ الْعَادِلُ )


العدل أساس الملك به يترسخ في الأرض الحق والقسطاس المستقيم ويعيش الناس في أمن وأمان وراحة واطمئنان ، والإمام العادل هو الذي يطبق المساواة والعدالة والحق بين رعيته لا فرق بين كبير وصغير وغني وفقير وقوي وضعيف ومسلم وغير مسلم ، فالكل أمامه سواء ، (إنما أهلك الذين من قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذ اسرق الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) هكذا قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحاشاها فاطمة رضى الله عنها أن تفعل ، ( القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ) هكذا قال الصديق رضى الله عنه في خطبة توليه خلافة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وقل عن الفاروق وحدث ولا حرج في عدله الذي شهدت به الأعداء (حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر) ، وحدث عن عمر بن عبد العزيز الخامس العادل ولا حرج ، وهكذا سار الخلفاء والأمراء في الدولة الإسلامية فبلغت في عدالتها أعلى الذرا وما انتكست إلا حينما أنتكس العدل وعم الجور والضيم والظلم ، ولقد رغَّب الله أئمة المسلمين في العدل فجعلهم الله تعالى أول الموعودين بظل الله جل وعلا يوم لا ظل إلا ظله وينال بفضل الله تعالى ورحمته كل إمام عادل هذا الفضل ومن استرعاه الإمام رعيه أو ولاه إمامة خاصة أو عامة أو استوزره وزارة أو أمره إمارة أو نصبه حاكما إن عدل وحكم بالحق واتبع سبيل الإحسان وقضى قضاء العدل بين عموم الناس وحقق السلام والأمن الإجتماعي في المجتمع فلا يتصور أن يحيا الناس بلا سلطان وبلا إمام حتى أن بعض الأئمة قال أن السلطان الفاسق العادل خير من السلطان الصالح الظالم إذ أن سلوك السلطان أو الإمام الشخصي له وحده أما ظلمه وعدله هو ما يتأثر به المجتمع كله فاللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا وارزقنا الإمام العادل الذي يخافك ويتقيك يا رب العالمين .


الثاني : ( شَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ )


مرحلة الشباب هي فورة العمر وقوة الجوارح الحسية وفتوة الجسم وشدته تمتزج عادة بالهوى الذي يلاقي بالجسم والنفس رغبات وشهوات وهمزات ونزغات يؤججها الشيطان الرجيم ، من كبحها فاز ومن أطلق حبلها على غاربه خسر ، لذا حبب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الشباب أن يلتزموا بعبادة الله وطاعة الله عز وجل ففي عبادة الله تعالى وطاعة الرحمن كل خير وأمان وراحة واطمئنان ، وجعل الحبيب المصطفى ثاني الموعودين بظل الله يوم لا ظل إلا ظله : شاب نشأ في عبادة الله ، فهو الشاب الذي قاوم هواه وكابده حتى تغلب عليه وجعل هواه تبعا لما جاء به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والتزم كل الأعمال الموجبه لرضا الله عز وجل وسلك صراط الله المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ، ونلاحظ أن الشاب الذي نشأ في عبادة الله تعالى سيكون بفضل الله وتوفيقه في مراحل عمره التالية مستمرا على طاعة الله وسيكون أسرة طيبة فالعبادة مأخوذة في اللغة من الطريق المعبد السهل الذي ليس فيه معوقات ، هكذا النفس في عبادتها لله تعالى تكون معبدة لله تعالى ممهدة لطاعته جل وعلا ليس فيها نصيب لغير الله تعالى إذ أنها أسلمت واستسلمت له جل وعلا فنالت منزلة العبودية له سبحانه فصارت من عباده الصالحين وهكذا هذا الشاب الذي نشأ في عبادة الله سيكون منارة منيرة هو وأسرته التي خرج منها والتي سيكونها بإذن الله تعالى يخرج من صلبه بإذن الله تعالى شبابا وشابات ينشئون في عبادة الله تعالى فتكون سلسلة إيمانية باهرة النور والإحسان في مجتمعات المسلمين فتصلح به الأمة إذ إن صلاح الفرد هو أساس صلاح أهل السنة والجماعة وكذلك تنال ذلك الظل شابة نشأت في عبادة ربها .


الثالث : ( رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ )


التعلق بمساجد الله تعالى لأداء الصلاة ولشهود الجماعات والندوات والدروس الدينية ولكل عمل خير نافع للمسلمين هو دليل إيمان وبرهان إحسان ووسيلة عظمى لرضاء الله عز وجل فالرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد ينال ظل ربه يوم لا ظل إلا ظل الله تعالى فهذا القلب قلب سليم خاشع ضارع لله تعالى سلك بصاحبه طريق السعادة وصحبه إلى دروب النجاة وسار به في مسالك الخاشعين المتقين الفالحين فعمر مساجد الله بالحضور والصلاة والذكر والنوافل والمكوث فيها وصاحب ملائكة الرحمن وكان جليس الواحد المنان وملائكته وضيف الله تعالى وزائره فحق على المزور أن يكرم زائره ويكرمه في الدنيا والآخرة ، ولنتأمل هذا التعبير البليغ (قلبه معلق في المساجد) كأن القلب معلق في كل المساجد كآنية مضيئة بنور الإيمان يذهب الجسد ويعود والقلب في المساجد موجود !


الرابع : ( رَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ )


ما أجمل الحب في الله تعالى فالمتحابون في الله لهم منابر من نور يوم القيامة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء وأشدهم حبا لصاحبهم يكون أحبهم لله تعالى وهذان الرجلان اللذين تحابا في الله نالا ما نالا من فضل الله وظله ورحمته بفضل الله المحض ثم بما كان لهما من صدق محبة في الله تعالى ومن دوام ذلك في اجتماعهما وافتراقهما يعطيان المحبة في الله حقوق المسلم للمسلم والتي ذكرت بالعدد (خمسة) والعدد (ستة) وأكثر من ذلك ، ولي قصيدة بعنوان (الحب في الله) مطلعها : (الحب في الله أسمى الحب قاطبة .. ما أجمل الحب والأحباب في الله) والحب في الله يتجاوز المصالح النفعية الدنيوية التي ربما يحكمها الهوى ويقودها الحرص والشح والغبن والظلم والحقد والحسد وغير ذلك من ذميم الخصال وقبيح الفعال حيث ينطلق المتحابون في الله تعالى إلى آفاق النور المطلق ودرجات الإرتقاء الأعلى طمعا فيما عند الله تعالى ورغبة في فضله ورحمته إذ انهما يدركان أن ما عند الله خير وأبقى وأنهما إنما يتقربان إلى الله تعالى بحسن اللقاء والفراق وما بين ذلك من مذاكرة للعلم النافع وإدراك مقاصد الشريعة الغراء من صلح بين الناس وصلة بين المؤمنين ورعاية للحقوق وأداء للأمانات وكل ما فيه صلاح المسلمين وقد داوما على ذلك في سلامة قلب ووضاءة روح وسماحة نفس وطيب معشر ولين جانب ومكارم أخلاق .. ولكي ندرك سمو تلك العلاقة فنتخيل العلاقات السيئة التي كون اثنين تحابا في غير الله عز وجل والتقيا على المعاصي واللهو والإدمان والغناء وافترقا على تلك المعاصي والآثام فما أبشع تلك العلاقة وما أفحش تلك المحبة ! ، وما أحرانا أن نكون من المتحابين في الله كي تذهب البغضاء وتولي الشحناء وتحل الألفة والمحبة بين المسلمين ويسود السلام والوئام مجتمعات المسلمين كذلك تنالان ذلك الأجر امرأتان متحابتان في الله تعالى اجتمعتا عليه وتفرقتا عليه .


الخامس : ( رَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ الله )


هذا رجل غلب شهوته وقهر شبقه وملك زمام نفسه ورفض الخطيئة حتى وإن جاءته ممهدة سهلة مصحوبة بمنصب امرأة خاطئة تتمتع بجمال ومال ووجاهة فهو يخاف الله رب العالمين ويلتزم صراطه المستقيم وينتهج شرعه القويم ، ولنتأمل قول يوسف عليه السلام لما قالت له امرأة العزيز بعدما غلقت الأبواب : (هيت لك) ... قال يوسف : (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون) يوسف ، فما بالنا بمن يسعى وراء الخطيئة ويخطط للزنا ويعبث بأعراض الناس ويتتبع عوراتهم وينتهب ببصره أجسادهم ويصر على إيذاء المسلمات ويتحرش بهن في وقاحة منقطعة النظير ؟! ، إن المسلم الذي يضع نصب عينيه الفوز بظل الله يوم لا ظل إلا ظله ينأى بجانبه عن كل رذيلة ويبتعد بنفسه عن كل خطيئة ويعود بصره وقلبه وجوارحه الطهر والعفة ، كما أن على النساء أن يسترن عوراتهم وأجسادهم بالحجاب والنقاب ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ، وأن يلتزمن بالحياء وعدم الخضوع بالقول وعدم التبذل والتهتك ، ويغضضن أصواتهم ، ولنتأمل تلك الجرأة من تلك المرأة التي استغلت منصبها ومالها وجاهها وجمالها في طلب من تريد من الرجال دون خوف من الله تعالى ولا انشغال بحمده جل وعلا أن أعطاها كل تلك النعم فتنصرف لاستغلالها في صيد الرجال والإيقاع بهم ، فقد بلغ بها الإثم كل مبلغ وسلك بها الشيطان خبث مسلك ، فمن تعرض لهذا الموقف من الرجال فليقل : (إني أخاف الله) ولا يضعف ولا يهوي مع تلك الشيطانة لهاوية الجحيم كي ينال ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، وكذلك تناله تلك المرأة التي دعاها رجل ذا منصب ومال وجاه وجمال فقالت : إني أخاف الله ، اللهم احفظ أعراض المسلمين والمسلمات وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين .


السادس : ( رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ )


هذا رجل سخي نقي يتاجر مع الله تعالى أحسن تجارة بعيدا عن عيون الناس اتقاء للرياء والسمعة وابتعادا عما يعتري القلب من نفاق أو سقم فهو يتصدق في السر صدقة يتحرى إخفائها حتى أن شماله لا تعرف ما تنفق يمينه وذلك تشبيه بليغ دقيق المحتوى وافر الجمال يحقق المطلوب من إخفاء صدقة السر والمبالغة في ذلك والإسباغ في وفرتها بقدر ما يستطيع وإيصالها لمستحقيها بأطيب وسيلة وأزكي طريقة فالصدقة تطفأ غضب الرب ويغفر الله بها ذنوب الأحياء والأموات ويدفع الله بها الأذى عن المتصدق ويرفع درجته ويقيل عثرته أما هؤلاء الذين يبدون الصدقات (فنعم هي) إذا كانت لوجه الله تعالى غير مختلطة بسمعة أو رياء لأن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك ، أما إخفاؤها فهو (خير لكم) لما في الخفية من تمام الإخلاص لله رب العالمين وهذا أيضا تشترك فيه المرأة التي تتصدق بصدقة أخفتها حتى لا تعلم شمالها ما أنفقت يمينها .


السابع : ( رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )


إننا أمام رجل ملأ نور الله قلبه وامتلك جوارحه وفاضت خشيته في روحه وانغمست نفسه في ذل العبودية وعز الربوبية حتى اقشعرت قلوبهم وجلودهم قشعريرة الإيمان وفاضت أعينهم بدموع الخشية من الله تعالى والحب له جل وعلا ، كما قال الحبيب المصطفى (عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله) فما أحلى التجرد الخالص من كل شيء في الدنيا لأجل أن تمتلئ قلوبنا بنور الله تعالى وحبه جل وعلا وحب نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم ، ونلاحظ هنا قوله صلى الله عليه وسلم(خاليا) التى تقابل قوله صلى الله عليه وسلم في الرجل السابق (فأخفاها) فهما يشتركان في الإختفاء عن الناس لضمان عدم الرياء والدخول من باب الإخلاص الواسع لرحاب الله عز وجل بتجرد وتعبد خالص له وحده جل وعلا فما أسعد هذا الذي يختلي بربه ويختفي عن المخلوقين في خلوة ربانية خالصة لوجه الله الكريم الذي يكافئ من فعل ذلك بأن يظله في ظله جل وعلا يوم لا ظل إلا ظله ، وتشترك المرأة في ذلك .. المرأة التي تذكر الله تعالى خالية فتفيض عيناها بالدموع .

****
فاللهم وفقنا لأن نكون كل هؤلاء الرجال الذين تظلهم في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك يا كريم اللهم اجز عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء وارزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




الأربعاء، 27 مارس 2013

الحصن ... تحية للقضاء المصري

كتبها

صبري الصبري ، في 30 أكتوبر 2012 الساعة: 06:34 ص

الحصن
***
(تحية للقضاء
المصري)
***
شعر
صبري الصبري

***
حيوا القضاء قضاء مصـر العالـي
حصن العدالـة .. معقـل الأبطـالِ
نبع الفضائـل مـن قديـم زمانـه
ميـزان أهـل القسـط والأفضـالِ
مـازال يثبـت أن مصـر دعامـة
للحـق عبـر مسيـرة الأجـيـالِ
وبأن أس الحكـم محـض تحاكـم
بالعدل والقسطـاس فـي المثقـالِ
كـم ذا شهدنـا للقضـاة مواقفـا
شعـت ضيـاء فـي ظـلام ليـالِ
واستغرقـت بنضالهـا وكفاحـهـا
للظلم فـي عـزم وفـي استبسـالِ
وتشبـثـت بحقوقـهـا بثباتـهـا
دون اختـلال القـول والأفـعـالِ
حتـى بأوقـات صعـاب أطبقـت
في مصر كانـوا موئـل الإجـلالِ
كمنـار نـور سـاطـع متـألـق
بالمعطيـات بفيضـهـا الهـطـالِ
بربـوع مصـر تألقـوا وتميـزوا
بمزيـد أمـن الحكـم والأحــوالِ
كالأسد في سـوح العدالـة بالعـلا
بعرينـهـم بمهـابـة ونـضـالِ
وصيانة للحـق طـاب ضميرهـم
ونميرهـم فــي سلسبـيـل زلالِ
تزهـو حدائقهـم بغـرس نمائهـم
بزهـور روضـات لهـم وظـلالِ
ومحاسـن شتـى بــآلاء بـهـا
ما للقضـاء مـن العطـا الهطـالِ
تـزدان أرض كنانـة بقضاتـهـا
وتحفـهـم بالـحـب والإجــلالِ
والفخـر أنهـمُ بمصـر حماتهـا
من كـل زيـغ بالهـوى وضـلالِ
ومن العتـاة المفسديـن تجبـروا
فيهـا بمكـر الظلـم والإضــلالِ
كم عاث في مصر الذين استكبـروا
سـوءا تخلـل أرضهـا بـوبـالِ
وتلصصوا فيهـا بأعيـن خبثهـم
وتخبطـوا فـي الغـي والأهـوالِ
واستعملوهـا بالمفاسـد أصبحـت
فيهـا وسائـل كثـرة الأمــوالِ
فاختـل ميـزان العدالـة بينـنـا
وهـوى الفقيـر بحفـرة الإهمـالِ
وعـدت ذئـاب للغنـي بفحشهـا
تُلقي بمـن تلقـى بجـرف نكـالِ
حتى تشوقنـا الخـلاص وأسلمـت
مصـر الفـؤاد لربهـا المتـعـالِ
فأمدهـا بالعـون جـاء بـقـدرة
ومشيـئـة قدسـيـة الإقـبــالِ
وسما القضـاة بمصرنـا فتفتحـت
أزهارهـا بربيعـهـا المتـوالـي
في كل ربع مـن ربـوع نضارهـا
بالحسن أسبـل أحسـن الإسبـالِ
طلـت مباهجهـا بأزكـى طلـعـة
كالبـدر يبـدأ مـن رقيـق هـلالِ
يختال في أعلـى الفضـاء بنـوره
يزهـو لنـا فـي مستنـار تلالـي
فنراه بالإعـلاء فـي جـو السمـا
بتخـوم فخـر حقيقـة وخـيـالِ
يا مصر عـزك بالزمـان سجلـه
أعطـى الخلائـق بهجـة الآمـالِ
واستعذبوا الأمجـاد كانـت للمـلا
منـك المـلاذ بصالـح الأعـمـالِ
فلـك المحبـة والـوداد بشوقهـم
جاءوا وراحـوا فـي أعـز منـالِ
وتفيئـوا روضـا شذيـا يانـعـا
بحمى الجميلـة نضـرة الإظـلالِ
فيها يرون الحسـن ممـدودا لـه
بالمجـد رونـق بهجـة ونــوالِ
فمكامـن الإشـراق فـي إبداعهـا
تسمـو سمـوا باهـرا بجـمـالِ
يشتاق مـن رام العـلاء رحابهـا
ويـؤم دوحـات بـهـا بـرحـالِ
حلت بروض الأرض مصر فروضها
بسـط بوفـرة خيرهـا وغــلالِ
من فضل ربي ذي الجلال المرتجى
فـي كـل أمـر .. ربنـا المتعـالِ
أهدى الحبيبة مصرنا أسنى العطـا
وأفـاض فيهـا بسطـه المتتالـي
فالحـمـد لله العظـيـم بفضـلـه
مصر الجمال بحصن عـدل عـالِ
والشكـر لله الكـريـم بحفـظـه
قـدر الحبيبـة قـدر فخـر غـالِ
حيوا القضـاة بدأبهـم وبعزمهـم
قالـوا الحقيقـة كلـهـا بمـقـالِ
بعدالـة الأحكـام فـي إشراقـهـا
صـارت بحـق مضـرب الأمثـالِ
ولسوف تـزداد الحبيبـة مصرنـا
حسنـا كأبهـى صـورة ومـثـالِ
فالظلم ولـى واستعـادت أرضنـا
أركـان عـدل صـادق الأفـعـالِ
وقضاة مصر حماتها فـي حصنهـا
نـاروا مسيرتنـا بنـور وصـالِ
بيـن القلـوب وشائـج بضيائهـا
تحلـو لنبلـغ مستـحـق كـمـالِ
ما أجمل العـدل المهيـب قضاتنـا
بثـوه فينـا بالرحيـق الحـالـي
سبحان ربـي ذي الجـلال بأمـره
نلنا العدالة فـي صفـا استرسـالِ
والمـلـك لله العظـيـم بحكـمـه
يقضـي القضـاء بقـدرة للوالـي
صلى الإله على النبـي المصطفـى
طـه (محمـد) (أحـمـد) والآلِ !



الأحد، 24 مارس 2013

الأعداد في أحاديث خير العباد 3



الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
***
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
(العدد خمسة)
***
روي البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرُّعبِ مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً . فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " متفق عليه .

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد خمسة قد جاء في هذا الحديث الشريف المتفق عليه ليبين لنا جانبا من خصائص الحبيب المحبوب للأرواح والأنفس والقلوب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو يتحدث بنعمة الله تعالى عليه ويقر بها شكرا لله وحمدا وليعلمنا صلى الله عليه وسلم جانبا من قدره الشريف ومقامه المنيف وليعلمنا أن نتحدث بنعم الله تعالى علينا شكرا لله تعالى وحمدا (وأما بنعمة ربك فحدث) الضحى ، وهذه الخصائص أختص بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من دون الأنبياء والمرسلين أعطاه الله تعالى إياها واختصه بها فضلا من الله وبسطا فهو حبيبه صلى الله عليه وسلم ومصطفاه ومجتباه ولا حرج على فضل الله يختص برحمته من يشاء ، ونستعرض تلك العطاءات الخمس :

الأولى : ( نُصرت بالرعب مسيرة شهر )

جعل الله تعالى لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نصرا بالرعب مسيرة شهر إذ يُلقي الله جل وعلا في قلوب أعدائه الرعب وبينهم وبينه صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر ، فينهزمون ويجبنون ويرتدعون ويرتعدون منه صلى الله عليه وسلم ، وبهذه المزية وتلك العطية انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتصر الإسلام والمسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم ، وحدثت معجزات جمة في غزواته صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه العطية الربانية سببا في حقن دماء أعدائه صلى الله عليه وسلم أي كانت رحمة لأعداء الإسلام قبل أن تكون رحمة للمسلمين المجاهدين في سبيل الله في عهده صلى الله عليه وسلم ، إذا أنها حالت بين هؤلاء الذين يبعدون عن الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم مسيرة شهر فما دون ذلك وبين مواجهتهم جيش المسلمين وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أمَّر عليهم من الأمراء في الغزوات أو السرايا وهكذا نرى أنه صلى الله عليه وسلم رحمة حتى على الكفار وصدق الله تعالى إذ قال في محكم كتابه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء ، وجدير بالذكر أن المسلم الصدوق له نصيب ولو قليل من تلك الكرامة فمن خاف الله تعالى أخاف الله منه كل شيء ومن عصى الله تعالى أخافه الله تعالى من كل شيء ، أسال الله تعالى أن يلقي في قلوب أعداء المسلمين الرعب وأن يمزقهم شر ممزق وأن يجعلهم غنيمة للمسلمين فقد عم الخطب وزاد الكرب وادلهمت الظلمة وتأخرت خير أمة فكن لنا يا ربنا ولا تكن علينا يا خير الناصرين .

الثانية : ( جُعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً )

جعل الله تعالى لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الأرض مسجدا وترابها طهورا فمتى أدركته الصلاة فليصل صلى الله عليه وسلم ومن فضل الله تعالى على حبيبه وعلى أمته أن أعطى للأمة تلك العطية الربانية فقال صلى الله عليه وسلم ( فأيُّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) فالحمد لله الذي حبانا تلك النعمة وأسدانا تلك الهدية التي تيسر لنا الصلاة وتقربنا من الحنان المنان بالتيمم إذا فقدنا الماء بشروط ذلك ومهد لنا افتراشنا الأرض الطهورة مصلين مقبلين على الله رب العالمين ، وهذا من تيسير الله تعالى للأمة أن تتقرب له بالصلاة التي هي معراج المؤمن لربها وبارئها وخالقها جل وعلا ، ويجب أن تتعلم الأجيال تلك النعمة العظيمة وشروط التيمم بالصعيد الطيب وهيئه وكيفية وأن الصلاة لا عذر لنا في تركها وأنها عماد الدين وأنها الفارق بينا وبين الكفار وأنها ركيزة حساب المؤمن يوم القيامة وأنها مضاعفة الأجر وأنها شرعت من فوق سبع سموات في ليلة الإسراء والمعراج ، وما لصلاة الجماعة من زيادة على صلاة الفرد ، وما لخشوعنا فيها من ثواب ، وما لختمها من أجر وما لنوافلها من إكمال لفرائضها ومن للدعاء في دبرها من فوائد حسان فالدعاء مخ العبادة ، وفقنا الهه لحسن إقامتها ورزقنا الخشوع فيها وتقبلها منا بمحض فضله وكرمه .

الثالثة : ( أحلت لي الغنائم )

جعل الله تعالى لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم الغنائمَ حلالا له ولم تحل الغنائم لأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أحلت الغنائم لأمته تحفيزا للمجاهدين على الجهاد طمعا فيما عند الله تعالى من أجر وثواب في الآخرة وانتفاعا بما يغتنمون من غنائم في الغزوات والسرايا والمعارك والحروب التي يخوضونها لكي تكون كلمة الله تعالى هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ومن حكمة ذلك تجريد الكفار من أدوات عدتهم وعتادهم ومقوماتهم الاقتصادية التي يحاربون بها المسلمين ويتقوون بها على قتالهم وتعجيزهم حتى يسمعوا الحق ويتدبروه ولا يستعلون بما لديهم عليه بوقوفهم بما لديهم من أدوات ومعطيات في وجه الدعوة الإسلامية والنيل من المسلمين المجاهدين وتهديد الآمنين والإغارة عليهم وسلبهم ونهبهم ولقد حدد الله تعالى كيفية قسمة الغنائم وحذر من الغلول فيها وبين سلوك المؤمنين حيال لك وهو السلوك القويم الذي يناسب الغايات السامية التي من أجلها شرع الجهاد في سبيل الله عز وجل .

الرابعة : ( أُعطيت الشفاعة )

أعطى الله تعالى لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى يوم الدين حيث يعاني الناس بالمحشر ما يعانون من كرب وآلام ويبحثون عن شفيع لهم عند ربهم للعرض والحساب فيذهبون لآدم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فيقول كل واحد منهم لست لها ويزكون الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها أنا لها ويسجد لله تعالى ويحمده جل وعلا بمحامد يفتحها عليه صلى الله عليه وسلم فيناديه ربه جل وعلا : ارفع رأسك يا محمد واشفع تُشَفَّع وسل تعط ، ويمن الله تعالى عليه بقبول شفاعته وإجابته سؤله ، فيشفع للعرض ويشفع في الحساب ويكون تارة عند الحوض وتارة عند الميزان وتارة عن الصراط يشفع للأمة لا يهدأ له بال صلى الله عليه وسلم حتى يطمئن على أمته حتى من دخل النار منهم يسأل الله له العفو والمغفرة فيخرجهم الله تعالى من النار بقدرته وعفوه وكرمه جل وعلا حتى لا يبقى في النار موحد شهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويشفع الحبيب صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته فينالون عفو الله ورحمته ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أولى الناس بشفاعته أكثرهم صلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، ومن قال مثل ما قال المؤذن ثم قال اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته فتحل له شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم ، اللهم ارزقنا شفاعته العظمى يوم الدين يا رب العالمين .

الخامسة : ( كان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة )

نبينا وحبيبنا ورسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم نبي عالمي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ولم يبعثه لقومه فقط بل بعثه للإنس والجن وخصه بذلك دون الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا لأقوامهم كل على حدة لكنه صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة لذا جاء الخطاب القرآني للناس أجمعين (يا أيها الناس) ، ولأهل الكتاب (يا أهل الكتاب) وللذين آمنوا ( يا أيها الذين آمنوا) وجاءت دعوته للإنس والجن وجاءت سور القرآن حافلة بقصص الأولين والآخرين وما جرى بين الأنبياء والمرسلين وأقوامهم وحكى لنا أحداثهم وعبرهم وعذابهم إن كفروا ومآلهم إن صدقوا ، كما هيمن القرآن على ما سبقه من كتب وشهد الرسول عليهم وشهدت أمته على ما سبقتها من أمم ، فالإسلام دين عالمي لأن رسوله عالمي وكتابه عالمي ورسالته عالمية لا فضل فيها لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح ، ومن حكمة الله تعالى وتقديره أن بالعصر النبوي عاش من كل قارة من قارات الدنيا مندوب لها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قارة أفريقيا كان بلال بن رباح رضى الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قارة آسيا كان سلمان الفارسي رض الله عنه ومن قارة أوربا والغرب كان صهيب الرومي رضى الله عنه فازوا بصحبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وامتزجت ثقافاتهم وانصهرت في بوتقة الإسلام وجاهدوا في الله تعالى حق جهاده فكانوا لبني جلدتهم ولنا منارات إشعاع للخير والإيمان واليقين ، كما جاءت بعض الكلمات المتداولة في اللغة الحبشية واللغة الفارسية في كتاب الله عز وجل مثل كلمة مشكاة وكلمة تنّور فاندمجت مع اللغة العربية لحكمة ربانية جذبا لأهلها ودلالة على عالمية الإسلام وإشارة على تضمين ثقافاتهم ثقافة المسلمين العالمية التي لا تعرف حدود ولا تعترف بعنصرية ولا تمييز على أساس اللون أو العرق فالكل لآدم وآدم من تراب ولا فضل لأحد إلا بالتقوى والعمل الصالح ، (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ، قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحي ويميت ، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) الأعراف








الأربعاء، 20 مارس 2013

الأعداد في أحاديث خير العباد 2

الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
***
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
العدد (أربعة)
***

روي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ، إذا أؤتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) متفق عليه

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد أربعة قد جاء في هذا الحديث الشريف المتفق عليه ليبين لنا أربعة خصال من خصال المنافقين وأن من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من خصال النفاق حتى يدعها ويتخلص منها وهو يعلمنا كيف نجاهد أنفسنا ونتعاهد قلوبنا حتى نخلصها من خصال النفاق ولا ندعها فريسة الشيطان الذي ينفث فيها نفثه ويوسوس فيها وسوسته ، وحدد لنا صلى الله عليه وسلم خصالا أربع من كن فيه كان منافقا خالصا حيث تحكم فيه النفاق والعياذ بالله .. فأطاح بأمانته وبصدق حديثه وبوفائه للعهد وجعله مخاصما فاجرا وهي خصال تودي بمروءة المسلم وتقصيه عن ضياء الإيمان ونور الإسلام ووضاءة الإحسان .. خصال تنتهك وتخترق أهليته المعتبرة في التعامل مع الآخرين لأنهم يدركون من خلال سقوطه في براثن تلك الخلال السقيمة أنه إنسان خائن كاذب ناكث للوعد ناقض للعهد فاجر الخصومة ، مما يعني أنه خبيث السريرة ماكر الطوية سيء النية ، والعياذ بالله تعالى من ذلك ، هيا نستعرض سويا باختصار تلك الخصال الأربع من خصال المنافقين حتى نتلاشاها :

الخصلة الأولى : إذا أؤتمن خان :

الخيانة خصلة ذميمة توجب غضب الله تعالى فهو جل وعلا لا يحب كل خوان كفور وقد أمر جل وعلا أن تؤدى الأمانات إلى أهلها (إن الله يأمركم أن توأدوا الأمانات إلى أهلها) النساء ، والأمانة حملها الإنسان (وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) الأحزاب ، والخيانة يمكن أن تكون خيانة الإنسان لله تعالى بألا يؤدي تكاليف ما تكلف ما أمره الهه به وما نهاه الله عنه ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) الأنفال ، كذلك خيانة الناس مسلمين أو غير مسلمين في جحد أماناتهم وسلب حقوقهم وبخس الناس أشيائهم وعدم رد أماناتهم باقتراف تلك الخيانة المقيتة المذمومة ، فالمسلم يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه ولا يخن من خانه ، ومن علامات الساعة ضياع الأمانة ( إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة ) ، ولكي ندرك ما في أخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكارم عظيمة نراه صلى الله عليه وسلم والكفار يطاردونه ويخططون لقتله في مكة المكرمة يخلّف صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه لرد الأمانات التي أودعوها عنده صلى الله عليه وسلم ، فياللعجب العجاب يلقبونه بالصادق الأمين ويكذبونه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم فهو سيد الأمناء وإمام المؤدين للأمانات قدوتنا وأسوتنا الحسنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

الخصلة الثانية : إذا حدث كذب :

الكذب خصلة شنيعة وآفة فظيعة ومرض خطير من أمراض القلب واللسان يهوي بالكاذب إلى هاوية سحيقة من الخزي والعار والشنار ، اتصف به الكفار والمنافقون وأصبح صفة لصيقة بهم وأصاب بعض المسلمين شرره وأصيبوا بعدواه البغيضة ، وقد يتعلمه الأبناء من الآباء بعمد أو غير عمد جراء تصرفات خاطئة أو سذاجة طارئة فعلينا الإنتباه حتى نربي أبناءنا على الصدق وعدم الكذب فالصدق منجاة والكذب مهلكة أعاذنا الله منها ، وجنبنا ويلاتها ومخاطرها ومصائبها في الدنيا والآخرة .

الخصلة الثالثة : إذا عاهد غدر :

الغدر من خصال المنافقين ، ولكل غادر لواء يوم القيامة يقال : هذه غدرة فلان كما جاء حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يفضح الله تعالى الغادرين يوم الحشر على رؤوس الأشهاد بأن يجعله يحمل لواء الغدر ويمشي أمام الناس بالمحشر وينادي منادي : هذه غدرة فلان ويذكر موضوع الغدر وكيف غدر يوم كذا فضيحة له وانتصارا لمن غدر به ، ذكر ذلك لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى نتلاشى الغدر ويزدجر الغادرون ويرتدعوا عن غدرهم واستهانتهم بالعهود والوعود ونكثهم بالمواثيق ، وقد حفلت الآيات القرآنية بالحض على الوفاء بالعهود والعقود والوعود ، (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة ، (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) الإسراء ، فالمسلم لا يغدر بل يوفي العهود ويصدق الوعود ويلتزم بالمواثيق ويحسن الأداء ويتقن الوفاء ، والعهود تنقسم قسمين عهود بين المسلم والخالق جل وعلا وعهود بين المسلم والمخلوقين ، فأما الأولى فهي عهود السمع والطاعة والإلتزام بالتوبة النصوح والإخلاص له جل وعلا والصدق في عبادته والعمل بشرعته سبحانه وتعالى إلى غير ذلك من عهود ، والثاني عهود بين المسلم والمخلوقين وهي كل عهد متفق عليه شفاهة أو مكتوبا تعهده المسلم بإرادته واختياره وقد التزم الحبيب صلى اله عليه وسلم بالمعاهدات التي عقدها مع كفار مكة ووفاها فهو خير من يوفي بالعهود ويصدق في الوعود ويحفظ المواثيق فلنتعلم منه صلى الله عليه وسلم ذلك .

الخصلة الرابعة : إذا خاصم فجر :

الفجر في الخصام من خصال المنافقين ، هي خصلة تودي لمهالك جمة لأنها تمزق الروابط الإجتماعية للمجتمع ، فالمسلم هين لين بشوش سلام على المجتمع يسلم المسلمون من لسانه ويده ، يقبل على الناس بسماحة وابتسام في وجوههم ، بطيئ الغضب سريع الفيء أي العودة للصلح والصفاء والإخاء ، أما المنافق والعياذ بالله فهو يصب الزيت على النار يؤججها ويزيد في إشعالها ويحرق المجتمع كله بأراجيف وتدابر وشقاق وفرقة وخصام ، لا يقبل الصلح فهمه خراب البيوت وإفساد المجتمع وهدم أواصره ، والمسلم ربما يغضب ويخاصم بحكم طبيعته البشرية لكنه لا يتمادى في الخصام ويرضى بالصلح ويعفو ويصفح ولا يعطي الشيطان فرصة لتعميق الجراح وشق الصفوف ، وإنما يبادر للم الشمل ورأب الصدع ، وعلى المسلم أن يقبل من أخيه اعتذاره إن أتاه معتذرا مخطأ كان أو مصيبا ، فهذا من علامات الإيمان وصدق اتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي أرشدنا إلى كل خير وحذرنا من كل شر فجزاه عنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء ورزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




الاثنين، 18 مارس 2013

الأعداد في أحاديث خير العباد 1


الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
---
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
(العدد ثلاثة)
**
روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان) متفق عليه
**

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن الحديث المتفق عليه هو ما ورد في الصحيحين صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم وقد جمعت الأحاديث المتفق عليها في كتاب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) وقد سبق الإمامُ البخاري الأمامَ مسلم في صحيحه فهو شيخه رحمهما الله وكان الإمام مسلم يجل الإمامَ البخاري وإذا دخل عليه يقول دعني أقدم قدميك يا إمام المحدثين من فرط تقديره له وهكذا أخلاق العلماء الأجلاء وقد جاء صحيح الإمام مسلم أحسن تبويبا وأدق تنسيقا فقد استفاد من شيخه الإمام البخاري وصحيحه فكانا درة العقد في كتب الأحاديث الشريفة رحمهما الله تعالى وجزاهما عن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير الجزاء
في هذا الحديث نجد العدد (ثلاثة) حيث أوضح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن علامة المنافق ثلاثة علامات :

العلامة الأولى : (إذا حدث كذب) : والكذب آفة خطيرة لا ينبغي أن تكون بمسلم صادق الإيمان ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هل يكذب المؤمن ؟! قال : لا ، وقد أوضح صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن في المعاريض مندوحة عن الكذب والمعاريض هى أقوال يتجنب الإنسان بها الكذب دون الإفصاح عما لا يريد الإفصاح به ، نتعلم ذلك منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حينما خرج هو وأبو بكر الصديق رضى الله عنه يتفقد ساحة غزوة بدر قبل بدئها ولقيا أعرابيا وسأله عما بدا له وسأله الأعرابي ممن أنتما ؟! فقال له : من ماء ! ، فهو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نظرا لما للغزوة المرتقبة من أسرار وما لها من اعتبارات دقيقة لم يشأ أن يخبر الأعرابي عن شخصيته الشريفة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وعن شخصية صديقه رضي الله عنه فأجاب إجابة صحيحة أنهما من ماء فالله خلق الإنسان من ماء مهين ، وربما ظن الأعرابي أن ماء هي موضع ما وربما فهم فهما معينا لكنه لم يعرف ما أراد الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إخفاءه عنه .. وهكذا نتعلم من هذا الموقف كيف نتصرف إن واجهنا موقفا مشابها دون أن نتورط في الكذب الذي هو علامة من علامات النفاق وخصلة ذميمة من خصال المنافقين ، ويلقى الكذابون يوم القيامة عذابا شديدا حيث يحشرون ووجوههم سوداء ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوي للمتكبرين) الزمر ، وفي الحديث الصحيح بالبخاري (اضمن لي ما بين لحييك وما بين فخذيك أضمن لك الجنة) وما بين اللحيين اللسان وهو أداة الحديث صدقا أو كذبا فليكن لساننا رطبا من ذكر الله ، لا من الغيبة والنميمة واللغو والمراء والكذب .

العلامة الثانية : (إذا وعد أخلف) : الوفاء بالوعد من صفات المؤمنين وإخلاف الوعد من صفات المنافقين حيث تقدح هذه الصفة الذميمة في أخلاق المسلم وفي سماته الطيبة وقد حضت آيات عديدة بكتاب الله عز وجل على الوفاء بالوعود التي يعد بها لذا لابد أن يعرف المسلم حدود ما يستطيع الوفاء به حتى لا يعد وعدا فوق طاقته فيخلفه فيهوي في دركات النفاق والعياذ بالهه تعالى .

العلامة الثالثة : (إذا أؤتمن خان) : لا إيمان لمن لا أمانة له كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، وهو القائل المؤمن من يأتمنه الناس على أموالهم وودائعهم وأعراضهم وأما المنافق فهو خائن للأمانة لا يؤديها ولا يحرص على أدائها لأصحابها ، فهو والعياذ بالله خوان أثيم مضيع للأمانة مفرط في حقوق الناس لا يثق به أحد ولا يتصف بصفة الأمين المؤدي للأمانات فعنده تضيع ولديه تفقد وعنده تسلب وتسرق بوسائل وأساليب شتى مدارها الخيانة والمكر والخبث والسوء والفسق والغي والفساد مما يؤدي لتقطع الأوصال وفرقة الأواصر وتشتت الروابط وقطع الأوصال وتفرق القربى وتشابك الخلان وتقاتل الجيران ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وبعد فهذه أعداد ثلاثة تمثل علامات من علامات النفاق والمنافقين بيّنها لنا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لكي نتلاشاها ونتجنبها فلا نكذب ولا نخلف الوعد ولا نخون الأمانة . فجزاه عنا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء ورزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .