{وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ
أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ
تَعْقِلُونَ}
تفسير
ابن كثير :
يقول تعالى مخبراً عما يؤول إليه حال الكفار يوم القيامة من أمره لهم أن
يمتازوا بمعنى يتميزون عن المؤمنين في موقفهم، كقوله تعالى: { وَيَوْمَ
نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ
الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} وقال عز وجل: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} أي يصيرون صدعين فرقتين
{احشروا الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ
اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرطِ الْجَحِيمِ}.
وقوله تعالى: { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِى ءَادَمَ ) هذا
تقريع من الله تعالى للكفرة من بني آدم، الذين أطاعوا الشيطان وهو عدو لهم مبين،
وعصوا الرحمن وهو الذي خلقهم ورزقهم، ولهذا قال تعالى: { وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا
صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ} أي قد أمرتكم في دار الدنيا بعصيان الشيطان، وأمرتكم بعبادتي،
وهذا هو الصراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك واتبعتم الشيطان فيما أمركم به ولهذا قال
عز وجل: { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} يقال: جبلاً بكسر الجيم
وتشديد اللام، ويقال جبلاً بضم الجيم والباء وتخفيف اللام، ومنهم من يسكن الباء،
والمراد بذلك الخلق الكثير، قاله مجاهد وقتادة والسدي وقتادة وسفيان بن عيينة.
وقوله تعالى: { أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} أي أفما كان لكم عقل
في مخالفة ربكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له، وعدولكم إلى اتباع
الشيطان. قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا عبدالرحمن بن محمد المحاربي عن
إسماعيل بن رافع عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة، أمر الله تعالى جهنم، فيخرج منها
عنق ساطع مظلم يقول { وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ
أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ * هَـذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} { وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا
الْمُجْرِمُونَ} فيتميز الناس ويجثون، وهي التي يقول الله عز وجل: { وَتَرَى كُلَّ
أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَـبِهَا الْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ».
تفسير
القرطبي :
قوله تعالى:
{إِنَّ
أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي
ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا
يَدَّعُونَ * سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ * وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ
أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ }.
قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ
فَاكِهُونَ} قال ابن مسعود وابن عباس وقتادة ومجاهد: شغلهم افتضاض العَذَارى. وذكر
الترمذيّ الحكيم في كتاب مشكل القرآن له: حدّثنا محمد بن حميد الرّازي، حدّثنا
يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، عن شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن
مسعود في قوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قال:
شغلهم افتضاض العذارى. حدثنا محمد بن حميد، حدثنا هارون بن المغيرة، عن نهشل، عن
الضحاك، عن ابن عباس بمثله. وقال أبو قِلابة: بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ
قيل له تحوّل إلى أهلك فيقول أنا مع أهلي مشغول؛ فيقال تحوّل أيضاً إلى أهلك. وقيل:
أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم
إلى النار، وما هم فيه من أليم العذاب، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم؛ قاله سعيد
بن المسيّب وغيره. وقال وكيع: يعني في السماع. وقال ابن كيسان: «فِي شُغُلٍ» أي في
زيارة بعضهم بعضاً. وقيل: في ضيافة الله تعالى. وروى أنه إذا كان يوم القيامة نادى
منادٍ: أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر
والكوكب الدريّ، ركباناً على نجب من نور أزمتها من الياقوت، تطير بهم على رؤوس
الخلائق، حتى يقوموا بين يدي العرش، فيقول الله جل وعز لهم: السلام على عبادي الذين
أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب، أنا اصطفيتكم وأنا اجتبيتكم وأنا اخترتكم، اذهبوا
فادخلوا الجنة بغير حساب فَ {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} .
فيمرون على الصراط كالبرق الخاطف فتفتح لهم أبوابها. ثم إن الخلق في المحشر موقوفون
فيقول بعضهم لبعض: يا قوم أين فلان وفلان؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضاً فينادي منادٍ
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} .
و «شُغُلٍ» و «شُغْلِ» لغتان قرىء بهما؛ مثل الرُّعُبِ والرعْبِ؛
والسحُت والسحْت؛ وقد تقدم. {فَاكِهُونَ} قال الحسن: مسرورون. وقال ابن عباس:
فرحون. مجاهد والضحاك: معجبون. السّدّي: ناعمون. والمعنى متقارب. والفكاهة المزاح
والكلام الطيّب. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج: «فَكِهُونَ» بغير ألف وهما لغتان
كالفارِه والفَره، والحاذَر والحَذِر؛ قاله الفراء. وقال الكسائي وأبو عبيدة:
الفاكه ذو الفاكهة؛ مثل شاحم ولاحِم وتامِر ولابِن، والفَكِه: المتفكّه والمتّنعم.
و «فَكِهُون» بغير ألف في قول قتادة: معجبون. وقال أبو زيد: يقال رجل فكِه إذا كان
طيب النفس ضحوكاً. وقرأ طلحَة بن مُصرِّف: «فَاكِهِينَ» نصبه على الحال. {هُمْ
وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ} مبتدأ وخبره. ويجوز
أن يكون «هُمْ» توكيداً «وَأَزْوَاجُهُمْ» عطف على المضمر، و «مُتَّكِئُونَ» نعت
لقوله «فَاكِهُونَ». وقراءة العامة: «فِي ظِلاَلٍ» بكسر الظاء والألف. وقرأ ابن
مسعود وعبيد بن عمير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف: «في ظُلَلٍ» بضم الظاء من
غير ألف؛ فالظلال جمع ظِلّ، وظُلَل جمع ظُلّة. {عَلَى الأَرَآئِكِ} يعني السُّرر في
الحجال واحدها أريكة؛ مثل سفينة وسفائن؛ قال الشاعر:
كأنّ أحمرارَ الوردِ فوق غُصُونِه
بوقتِ الضحى في روضةِ المتضاحِك
خُدُودُ عذارَى قد خَجِلن من الحَيَا
تَهَادَيْنَ بالريحان فوق الأَراَئِكِ
وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أهل
الجنة كلما جامعوا نساءهم عُدن أبكاراً». وقال ابن عباس: إنّ الرجل من أهل الجنة
ليعانق الحوراء سبعين سنة، لا يملّها ولا تملّه، كلما أتاها وجدها بكراً، وكلما رجع
إليها عادت إليه شهوته؛ فيجامعها بقوة سبعين رجلاً، لا يكون بينهما منيّ؛ يأتي من
غير منيّ منه ولا منها. {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} ابتداء وخبر. {وَلَهُمْ مَّا
يَدَّعُونَ} الدال الثانية مبدلة من تاء، لأنه يفتعلون من دعا أي من دعا بشيء
أعطيه. قاله أبو عبيدة؛ فمعنى «يَدَّعُونَ» يتمنون من الدعاء. وقيل: المعنى أن من
ادعى منهم شيئاً فهو له؛ لأن الله تعالى قد طبعهم على ألا يدّعي منهم أحد إلا ما
يجمُل ويحسن أن يدّعيه.
وقال يحيى بن سلام: «يَدَّعُونَ» يشتهون. ابن عباس: يسألون. والمعنى
متقارب. قال ابن الأنباري: «وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ» وقف حسن، ثم تبتدىء:
«سَلاَمٌ» على معنى ذلك لهم سلام. ويجوز أن يرفع السلام على معنى ولهم ما يدّعون
مسلّم خالص. فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على «مَا يَدَّعُونَ». وقال الزجاج:
«سلام» مرفوع على البدل من «ما» أي ولهم أن يسلّم الله عليهم، وهذا منَى أهلِ
الجنة. وروي من حديث جرير بن عبد الله البَجَليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الربّ تعالى قد
اطلع عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله: {سَلاَمٌ قَوْلاً
مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} . فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم
ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركاته عليهم في ديارهم» ذكره
الثعلبي والقشيري. ومعناه ثابت في صحيح مسلم، وقد بيّناه في «يونس» عند قوله تعالى:
{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس: 26). ويجوز أن تكون «ما»
نكرة، و «سَلاَمٌ» نعتاً لها؛ أي ولهم ما يدعون مسلّم. ويجوز أن تكون «ما» رفع
بالابتداء، و «سلام» خبر عنها. وعلى هذه الوجوه لا يوقف على «وَلَهُمْ مَا
يَدَّعُونَ». وفي قراءة ابن مسعود «سلاماً» يكون مصدراً، وإن شئت في موضع الحال؛ أي
ولهم ما يدعون ذا سلام أو سلامة أو مسلَّماً؛ فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على
«يَدَّعُونَ». وقرأ محمد بن كعب القُرَظي «سِلمٌ» على الاستئناف كأنه قال: ذلك سلم
لهم لا يتنازعون فيه، ويكون «وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ» تاماً. ويجوز أن يكون
«سَلاَمٌ» بدلاً من قوله: {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} ، وخبر «مَا يَدَّعُونَ»
«لِهم». ويجوز أن يكون «سَلاَمٌ» خبراً آخر، ويكون معنى الكلام أنه لهم خالص من غير
منازع فيه. {قَوْلاً} مصدر على معنى قال الله ذلك قولاً. أو بقوله قولاً، ودلّ على
الفعل المحذوف لفظ مصدره. ويجوز أن يكون المعنى ولهم ما يدعون قولاً؛ أي عدة من
الله. فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على «يَدَّعُونَ». وقال السجستاني:
الوقف على قوله «سَلاَمٌ» تام؛ وهذا خطأ لأن القول خارج مما قبله.
قوله تعالى: {وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} ويقال
تميّزوا وامّازوا وامتازوا بمعنى؛ ومزته فانماز وامتاز، وميّزته فتميّز. أي يقال
لهم هذا عند الوقوف للسؤال حين يؤمر بأهل الجنة إلى الجنة؛ أي اخرجوا من جملتهم.
قال قتادة: عزلوا عن كل خير. وقال الضحاك: يمتاز المجرمون بعضهم من بعض؛ فيمتاز
اليهود فرقة، والنصارى فرقة، والمجوس فرقة، والصابئون فرقة، وعبدة الأوثان فرقة.
وعنه أيضاً: إن لكل فرقة في النار بيتاً تدخل فيه ويردّ بابه؛ فتكون فيه أبداً لا
تَرَى ولا تُرَى. وقال داود بن الجرّاح: فيمتاز المسلمون من المجرمين، إلا أصحاب
الأهواء فيكونون مع المجرمين.
تفسير
ابن جرير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى:
{فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ
فَاكِهُونَ}.
يقول تعالى ذكره: فالْيَوْمَ يعني يوم القيامة لا تُظْلَمُ نَفْسٌ
شَيْئا كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل عليها
وِزْر غيرها، ولكنه يوفي كل نفس أجر ما عملت من صالح، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت
واكتسبت من شيء وَلا تُجْزَوْنَ إلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: ولا تكافؤون
إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا.
وقوله: إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ اختلف أهل
التأويل في معنى الشغل الذي وصف الله جلّ ثناؤه أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة،
فقال بعضهم: ذلك افتضاض العذارَى. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شَمِر بن عطية، عن
شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود، في قوله: إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي
شُغُلٍ فاكِهُونَ قال: شغلهم افتضاض العذارى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن
عكرمة، عن ابن عباس إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ قال:
افتضاض الأبكار.
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن
عباس إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُون قال: افتضاض الأبكار.
حدثني الحسن بن زُرَيْق الطُّهَوِيّ، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن أبيه،
عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
حدثني الحسين بن عليّ الصُّدائي، قال: ثنا أبو النضر، عن الأشجعيّ، عن
وائل بن داود، عن سعيد بن المسيب، في قوله: إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ اليَوْمَ فِي
شُغُلٍ فاكِهُونَ قال: في افتضاض العذارَى. وقال آخرون: بل عُنِى بذلك: أنهم في
نعمة. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنَّ
أصحَابَ الجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ قال: في نعمة.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان، عن جُوَيبر، عن أبي سهل، عن
الحسن، في قول الله: إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ… الآية، قال: شَغلَهم النعيمُ عما فيه
أهل النار من العذاب.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم في شغل عما فيه أهل النار. ذكر من قال
ذلك:
حدثنا نصر بن عليّ الجَهْضَمِيّ، قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن أبان بن
تغلب، عن إسماعيل بن أبي خالد إنَّ أصحَابَ الجَنَّةِ… الآية، قال: في شغل عما يلقى
أهلُ النار.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله جل ثناؤه إنَّ
أصحَابَ الجَنَّةِ وهم أهلها فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ بنعم تأتيهم في شغل، وذلك الشغل
الذي هم فيه نعمة، وافتضاض أبكار، ولهو ولذّة، وشغل عما يَلْقى أهل النار.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: في شُغُلٍ، فقرأت ذلك عامة قرّاء
المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه: «فِي شُغْلٍ» بضم الشين وتسكين الغين. وقد
رُوي عن أبي عمرو الضمّ في الشين والتسكين في الغين، والفتح في الشين والغين جميعا
في شغل. وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة وعامة قرّاء أهل الكوفة فِي شُغُلٍ بضم
الشين والغين.
والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين، أو بضم الشين وسكون
الغين، بأيّ ذلك قرأه القارىء فهو مصيب، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قرّاء
الأمصار مع تقارب معنييهما. وأما قراءته بفتح الشين والغين، فغير جائزة عندي،
لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها.
واختلفوا أيضا في قراءة قوله: فاكِهُونَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار
فاكِهُونَ بالألف. وذُكر عن أبي جعفر القارىء أنه كان يقرؤه: «فَكِهُونَ» بغير ألف.
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف، لأن ذلك هو
القراءة المعروفة.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فَرِحون. ذكر من
قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،
قوله: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ يقول: فرحون.
وقال آخرون: معناه: عجبون. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد، قوله: فاكِهُونَ قال: عجبون.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد فَكِهُونَ قال: عَجِبون.
واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك، فقال بعض البصريين: منهم الفكه
الذي يتفكَّه. وقال: تقول العرب للرجل الذي يتفكَّه بالطعام أو بالفاكهة، أو بأعراض
الناس: إن فلانا لفكِه بأعراض الناس، قال: ومن قرأها فاكِهُونَ جعله كثير الفواكه
صاحب فاكهة، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحُطَيئة:
وَدَعَوْتَنِي وَزَعَمْتَ أنَّكَ
لابنٌ بالصَّيْفِ تامِرْ
أي عنده لبن كثير، وتمرٌ كثير، وكذلك عاسل، ولاحم، وشاحم. وقال بعض
الكوفيين: ذلك بمنزلة حاذرون وحذرون، وهذا القول الثاني أشبه
بالكلمة.
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يبَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
يعني بقوله: وَامْتازُوا: تَميزوا وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل
منه: امتاز يمتاز امتيازا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال
ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَامْتَازوا
اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ قال: عُزِلوا عن كلّ خير.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن
رافع، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللّهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْها
عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ
أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ… الآية، إلى قوله: هَذِهِ جَهَنَّمُ التي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ، فيَتَمَيَّزُ النَّاسُ
وَيجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللّهِ: وَتَرَى كُلّ أُمَّةٍ… الآية».
فتأويل الكلام إذن: وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله،
فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم.
وقوله: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا
الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام
عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في
الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ
يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدوّ مبين، قد أبان لكم عَداوته بامتناعه من
السجود، لأبيكم آدم، حسدا منه له، على ما كان الله أعطاه من الكرامة، وغُروره إياه،
حتى أخرجه وزوجته من الجنة.
وقوله: وَأنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول: وألم أعهد
إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص
عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق
المستقيم.
قوله تعالى:
{أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ
عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ
أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ * هَـذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ
تَكْفُرُونَ }.
القرطبي
:
قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِي آدَمَ} العهد هنا
بمعنى الوصية؛ أي ألم أوصكم وأبلغكم على ألسنة الرسل {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ
الشَّيطَانَ} أي لا تطيعوه في معصيتي. قال الكسائي: لا للنهي {وَأَنِ اعْبُدُونِي}
بكسر النون على الأصل، ومن ضم كرِه كسرة بعدها ضمة. {هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}
أي عبادتي دين قويم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ} أي أغوى {جِبِلاًّ كَثِيراً}
أي خلقاً كثيراً؛ قاله مجاهد. قتادة: جموعاً كثيرة. الكلبي: أمما كثيرة؛ والمعنى
واحد. وقرأ أهل المدينة وعاصم: «جِبِلاٍّ» بكسر الجيم والباء. وأبو عمرو وابن عامر
«جُبْلاً» بضم الجيم وإسكان الباء. الباقون «جُبُلاًّ» بضم الجيم والباء وتخفيف
اللام، وشدّدها الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعبد الله بن عبيد والنضر بن
أنس. وقرأ أبو يحيى والأشهب العقيلي «جِبْلاً» بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف
اللام. فهذه خمس قراءات. قال المهدوي والثعلبي: وكلها لغات بمعنى الخلق. النحاس:
أبينها القراءة الأولى؛ والدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا
{وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} (الشعراء: 184) فيكون «جِبلاًّ» جمع جِبِلّةٍ،
والاشتقاق فيه كله واحد. وإنما هو من جبل الله عز وجل الخلق أي خلقهم. وقد ذُكِرت
قراءة سادسة وهي: «وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِيلاً كَثِيراً» بالياء. وحكي عن
الضحاك أن الجيل الواحد عشرة آلاف، والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل؛ ذكره
الماوردي. {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} عدواته وتعلموا أن الواجب طاعة الله.
{هَـذِهِ جَهَنَّمُ} أي تقول لهم خزنة جهنم هذه جهنم التي وعدتم فكذبتم بها. وروي
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله
الإنس والجن والأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثم أشرف عنق من النار على الخلائق
فأحاط بهم ثم ينادي منادٍ {هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} فحينئذ تجثو الأمم على ركبها وتضع
كل ذات حمل حملها، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن
عذاب الله شديد».
تفسير
ابن جرير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يبَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
يعني بقوله: وَامْتازُوا: تَميزوا وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل
منه: امتاز يمتاز امتيازا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال
ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَامْتَازوا
اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ قال: عُزِلوا عن كلّ خير.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن
رافع، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللّهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْها
عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ
أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ… الآية، إلى قوله: هَذِهِ جَهَنَّمُ التي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ، فيَتَمَيَّزُ النَّاسُ
وَيجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللّهِ: وَتَرَى كُلّ أُمَّةٍ… الآية».
فتأويل الكلام إذن: وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله،
فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم.
وقوله: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا
الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام
عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في
الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ
يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدوّ مبين، قد أبان لكم عَداوته بامتناعه من
السجود، لأبيكم آدم، حسدا منه له، على ما كان الله أعطاه من الكرامة، وغُروره إياه،
حتى أخرجه وزوجته من الجنة.
وقوله: وَأنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول: وألم أعهد
إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص
عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق المستقيم.
{هذه
جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ
تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلمُنَآ أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا
عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُواْ الصرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَآءُ
لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ
يَرْجِعُونَ}
تفسير
ابن كثير :
يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة وقد برزت الجحيم لهم تقريعاً
وتوبيخاً { هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} أي هذه التي حذرتكم
الرسل، فكذبتموهم { اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} كما قال
تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَـذِهِ النَّارُ
الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ
تُبْصِرُونَ} . وقوله تعالى: { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَهِهِمْ
وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}
هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة حين ينكرون ما اجترموه في الدنيا، ويحلفون
ما فعلوه، فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم بما عملت.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة،
حدثنا منجاب بن الحارث التميمي، حدثنا أبو عامر الأسدي، حدثنا سفيان عن عبيد المكتب
عن الفضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى
الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ممَّ
أضحك ؟» قلنا: الله ورسوله أعلم ، قال صلى الله عليه وسلم: «من مجادلة العبد ربه
يوم القيامة، يقول رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول: بلى، فيقول: لا أجيز علي إلا
شاهداً من نفسي، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، والكرام الكاتبين شهوداً،
فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله، ثم يخلى بينه وبين الكلام،
فيقول: بعداً لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل» وقد رواه مسلم والنسائي، كلاهما عن أبي
بكر بن أبي النضر عن أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي، عن سفيان هو
الثوري به. ثم قال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي،
وهو حديث غريب، والله تعالى أعلم، كذا قال. وقد تقدم من رواية أبي عامر عبد الملك
بن عمرو الأسدي وهو العقدي عن سفيان.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: «إنكم تدعون مفدماً على أفواهكم بالفدام، فأول ما يسأل عن
أحدكم فخذه وكتفه، رواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به، وقال سفيان بن
عيينة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حديث القيامة الطويل، قال فيه: «ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت ؟ فيقول: أنا عبدك
آمنت بك وبنبيك وبكتابك، وصمت وصليت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع قال فيقال له:
ألا نبعث عليك شاهدنا ؟ قال فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه، فيختم على فيه ويقال
لفخذه انطقي قال فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل وذلك المنافق، وذلك ليعذر من
نفسه، وذلك الذي سخط الله تعالى عليه» ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان بن عيينة
به بطوله.
ثم قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا
إسماعيل بن عياش، حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم
على الأفواه، فخذه من الرجل اليسرى» وروى ابن جرير عن محمد بن عوف عن عبد الله بن
المبارك عن إسماعيل بن عياش به مثله. وقد جود إسناده الإمام أحمد رحمه الله، فقال:
حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد
الحضرمي عمن حدثه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: «إن أول
عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال».
وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثنا يونس بن
عبيد عن حميد بن هلال قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه:
يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فيعرض به عليه عمله فيما بينه وبينه، فيعترف
فيقول: نعم أي رب عملت عملت عملت، قال: فيغفر الله تعالى له ذنوبه ويستره منها،
قال: فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئاً وتبدو حسناته، فود أن الناس كلهم
يرونها، ويدعى الكافر الكافر والمنافق للحساب، فيعرض عليه ربه عمله فيجحد ويقول: أي
رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل، فيقول له الملك: أما علمت كذا يوم كذا
في مكان كذا ؟ فيقول: لا وعزتك أي رب ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم الله على فيه، قال
أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى، ثم تلا {
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ
أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} .
وقوله تبارك وتعالى: { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ
فَاسْتَبَقُواْ الصراط فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي
الله عنهما في تفسيرها: يقول ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى، فكيف يهتدون ؟ وقال مرة:
أعميناهم: وقال الحسن البصري: لو شاء الله لطمس على أعينهم فجعلهم عمياً يترددون.
وقال السدي: لو نشاء أعمينا أبصارهم. وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والسدي: فاستبقوا
الصراط، يعني الطريق. وقال ابن زيد: يعني بالصراط ههنا الحق، فأنى يبصرون وقد طمسنا
على أعينهم. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: { فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} لا
يبصرون الحق.
وقوله عز وجل: { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَـهُمْ عَلَى مَكَــنَتِهِمْ}
قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أهلكناهم. وقال السدي: يعني لغيرنا خلقهم.
وقال أبو صالح: لجعلناهم حجارة. وقال الحسن البصري وقتادة: لأقعدهم على أرجلهم،
ولهذا قال تبارك وتعالى: { فَمَا اسْتَطَـعُواْ مُضِيّاً} أي إلى أمام { وَلاَ
يَرْجِعُونَ} إلى وراء بل يلزمون حالاً واحداً لا يتقدمون و لا
يتأخرون.
تفسير
القرطبي :
قوله تعالى:
{أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ *
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ *
هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا
كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }.
قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِي آدَمَ} العهد هنا
بمعنى الوصية؛ أي ألم أوصكم وأبلغكم على ألسنة الرسل {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ
الشَّيطَانَ} أي لا تطيعوه في معصيتي. قال الكسائي: لا للنهي {وَأَنِ اعْبُدُونِي}
بكسر النون على الأصل، ومن ضم كرِه كسرة بعدها ضمة. {هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}
أي عبادتي دين قويم.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ} أي أغوى {جِبِلاًّ كَثِيراً}
أي خلقاً كثيراً؛ قاله مجاهد. قتادة: جموعاً كثيرة. الكلبي: أمما كثيرة؛ والمعنى
واحد. وقرأ أهل المدينة وعاصم: «جِبِلاٍّ» بكسر الجيم والباء. وأبو عمرو وابن عامر
«جُبْلاً» بضم الجيم وإسكان الباء. الباقون «جُبُلاًّ» بضم الجيم والباء وتخفيف
اللام، وشدّدها الحسن وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وعبد الله بن عبيد والنضر بن
أنس. وقرأ أبو يحيى والأشهب العقيلي «جِبْلاً» بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف
اللام. فهذه خمس قراءات. قال المهدوي والثعلبي: وكلها لغات بمعنى الخلق. النحاس:
أبينها القراءة الأولى؛ والدليل على ذلك أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا
{وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} (الشعراء: 184) فيكون «جِبلاًّ» جمع جِبِلّةٍ،
والاشتقاق فيه كله واحد. وإنما هو من جبل الله عز وجل الخلق أي خلقهم. وقد ذُكِرت
قراءة سادسة وهي: «وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِيلاً كَثِيراً» بالياء. وحكي عن
الضحاك أن الجيل الواحد عشرة آلاف، والكثير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل؛ ذكره
الماوردي. {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} عدواته وتعلموا أن الواجب طاعة الله.
{هَـذِهِ جَهَنَّمُ} أي تقول لهم خزنة جهنم هذه جهنم التي وعدتم فكذبتم بها. وروي
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله
الإنس والجن والأوّلين والآخرين في صعيد واحد ثم أشرف عنق من النار على الخلائق
فأحاط بهم ثم ينادي منادٍ {هَـذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} فحينئذ تجثو الأمم على ركبها وتضع
كل ذات حمل حملها، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن
عذاب الله شديد».
تفسير
ابن جرير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَامْتَازُواْ الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ
إِلَيْكُمْ يابَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
يعني بقوله: وَامْتازُوا: تَميزوا وهي افتعلوا، من ماز يميز، فعل يفعل
منه: امتاز يمتاز امتيازا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال
ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَامْتَازوا
اليَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ قال: عُزِلوا عن كلّ خير.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن
رافع، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: «إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أمَرَ اللّهُ جَهَنَّمَ فَيَخْرُجُ مِنْها
عُنُقٌ ساطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ
أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ… الآية، إلى قوله: هَذِهِ جَهَنَّمُ التي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ وَامْتازُوا الْيَوْمَ أيُّها المُجْرِمُونَ، فيَتَمَيَّزُ النَّاسُ
وَيجْثُونَ، وَهِيَ قَوْلُ اللّهِ: وَتَرَى كُلّ أُمَّةٍ… الآية».
فتأويل الكلام إذن: وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله،
فإنكم واردون غير موردهم، داخلون غير مدخلهم.
وقوله: ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا
الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام
عليه منه، وهو: ثم يقال: ألم أعهد إليكم يا بني آدم، يقول: ألم أوصكم وآمركم في
الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ
يقول: وأقول لكم: إن الشيطان لكم عدوّ مبين، قد أبان لكم عَداوته بامتناعه من
السجود، لأبيكم آدم، حسدا منه له، على ما كان الله أعطاه من الكرامة، وغُروره إياه،
حتى أخرجه وزوجته من الجنة.
وقوله: وَأنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول: وألم أعهد
إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص
عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق المستقيم.
{وَمَن نّعَمرْهُ نُنَكسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ
يَعْقِلُونَ * وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ
ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * ليُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى
الْكَافِرِينَ}
تفسير
ابن كثير :
يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره، رد إلى الضعف بعد القوة،
والعجز بعد النشاط، كما قال تبارك وتعالى: { اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن
ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ
ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ} وقال عز وجل: { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى
أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} والمراد من هذا
والله أعلم الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال، لا دار دوام واسقرار،
ولهذا قال عز وجل: { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم، ثم
صيرورتهم إلى نفس الشيبة، ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال
لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها، وهي الدار الآخرة.
وقوله تبارك وتعالى: { وَمَا عَلَّمْنَـهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى
لَهُ} يقول عز وجل مخبراً عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه ما علمه الشعر {
وَمَا يَنبَغِى لَهُ} أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته، ولهذا
ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتاً على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أو
لم يتمه. وقال أبو زرعة الرازي: حدثت عن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أنه
قال: ما ولد عبد المطلب ذكراً ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ذكره ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب الذي أكله السبع بالزرقاء.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي
بن زيد عن الحسن هو البصري قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا
البيت:
كفى بالإسلام والش
يب للمرء ناهياً
فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله
كفى الشيب والإس
لام للمرء ناهياً
قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما: أشهد أنك رسول الله، يقول تعالى: {
وَمَا عَلَّمْنَـهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ} وهكذا روى البيهقي في الدلائل
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه «أنت
القائل:
أتجعل نهبي ونهب
العبيد بين الأقرع وعيينة
فقال: إنما هو عيينة والأقرع، فقال صلى الله عليه وسلم: «الكل سواء»
يعني في المعنى، صلوات الله وسلامه عليه، والله أعلم.
وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في
كلامه صلى الله عليه وسلم في هذا البيت مناسبة أغرب فيها، حاصلها شرف الأقرع بن
حابس على عيينة بن بدر الفزاري لأنه ارتد أيام الصديق رضي الله عنه بخلاف ذاك،
والله أعلم، وهكذا روى الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمشي
بين القتلى يوم بدر وهو يقول «نفلق هاماً» فيقول الصديق رضي الله عنه متمماً للبيت:
من رجال أعزة علينا
وهم كانوا أعق وأظلما
وهذا لبعض الشعراء العرب في قصيدة له وهي في الحماسة. وقال الإمام أحمد:
حدثنا هشيم: حدثنا مغيرة عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا استراث الخير تمثل فيه ببيت طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عنها.
ورواه الترمذي والنسائي أيضاً من حديث المقدام بن شريح بن هانىء عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها كذلك، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحافظ أبو بكر
البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أسامة عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل من الأشعار: * ويأتك
بالأخبار من لم تزود * ثم قال، ورواه غير زائدة عن سماك عن عكرمة عن عائشة رضي الله
عنها، هذا في شعر طرفة بن العبد في معلقته المشهورة، وهذا المذكور هو عجز بيت منها
أوله:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له
بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو
حفص عمر بن أحمد بن نعيم وكيل المتقي ببغداد، حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال
النحوي الضرير، حدثنا علي بن عمرو الأنصاري، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن
عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت شعر قط
إلا بيتاً واحداً.
تفاءل بما تهوى يكن فلقلما
يقال لشيء كان إِلا تحققا
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: قيل لعائشة رضي الله عنها: هل كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت رضي الله عنها: كان أبغض
الحديث إليه، غير أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل ببيت أخي بني قيس، فيجعل أوله
آخره، وآخره أوله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس هذا هكذا يارسول الله، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إني والله ما أنا بشاعر وما ينبغي لي» رواه ابن أبي حاتم
وابن جرير، وهذا لفظه. وقال معمر عن قتادة: بلغني أن عائشة رضي الله عنها سئلت: هل
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر ؟ فقالت رضي الله عنها: لا.
إلا بيت طرفة.
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فجعل صلى الله عليه وسلم يقول: «من لم تزود بالأخبار» فقال أبو بكر: ليس
هذا هكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي».
سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي عن هذا الحديث فقال: هو منكر، ولم
يعرف شيخ الحاكم و لا الضرير، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم تمثل يوم
حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ولكن تبعاً لقول أصحابه رضي
الله عنهم، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون:
لا همَّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الأُلى قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع صلى الله عليه وسلم صوته بقوله أبينا ويمدها، وقد روى هذا بزحاف
في الصحيحين أيضاً، وكذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين وهو راكب البغلة
يقدم بها في نحور العدو:
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
لكن قالوا هذا وقع اتفاقاً من غير قصد لوزن شعر، بل جرى على اللسان من
غير قصد إليه، وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار، فنكبت أصبعه، فقال صلى الله عليه
وسلم:
هل أنت إلا أصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت
وسيأتي عند قوله تعالى { إِلاَّ اللَّمَمَ} إنشاد:
إن تغفر اللهم تغفر جماً
وأي عبد لك ما ألما
وكل هذا لا ينافي كونه صلى الله عليه وسلم ما علم شعراً ولا ينبغي له،
فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم الذي { لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـاطل
مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ
مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش، ولا كهانة،
ولا مفتعل، ولا سحر يؤثر، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال، وقد كانت سجيته
صلى الله عليه وسلم تأبى صناعة الشعر طبعاً وشرعاً، كما رواه أبو داود قال: حدثنا
عبيد الله بن عمر، حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثنا شرحبيل
بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي
الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أبالي ما أوتيت إن
أنا شربت ترياقاً، أو تعلقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي» تفرد به أبو داود.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الأسود بن
شيبان عن أبي نوفل قال: سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يتسامع عنده الشعر ؟ فقالت: قد كان أبغض الحديث إليه. وقال عن عائشة رضي عنها:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك: وقال
أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحاً خير
له من أن يمتلىء شعراً» انفرد به من هذا الوجه، وإسناده على شرط الشيخين، ولم
يخرجاه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي عن عاصم بن
مخلد عن أبي الأشعث الصنعاني (ح) وحدثنا الأشيب، فقال عن أبي عاصم عن أبي الأشعث عن
شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرض بيت شعر
بعد العشاء الآخرة، لم تقبل له صلاة تلك الليلة،» وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم
يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، والمراد بذلك نظمه لا إنشاده، والله أعلم، على أن
الشعر ما هو مشروع، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام، كحسان بن
ثابت رضي الله عنه، وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم رضي الله
عنهم أجمعين، ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية،
ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمن شعره،
وكفر قلبه» وقد أنشد بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم مائة بيت
يقول عقب كل بيت «هيه» يعني يستطعمه، فيزيده من ذلك، وقد روى أبو داود من حديث أبي
بن كعب وبريده بن الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: «إن من البيان سحراً، وإن من الشعر حكماً» ولهذا قال تعالى: { وَمَا
عَلَّمْنَـهُ الشِّعْرَ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ما علمه الله الشعر «وما
ينبغي له} أي وما يصلح له أي وما يصلح له {إِنْ هُوَ ذِكْرٌ
وَقُرْءانٌ مُّبِينٌ} أي ما هذا الذي علمناه { وَمَا عَلَّمْنَـهُ الشِّعْرَ وَمَا}
أي بين واضح جلي لمن تأمله وتدبره، ولهذا قال تعالى: { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ
حَيّاً} أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض، كقوله: { لاٌّنذِرَكُمْ
بِهِ وَمَن بَلَغَ} وقال جل وعلا: { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأٌّحْزَابِ
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب مستنير البصيرة، كما
قال قتادة: حي القلب حي البصر. وقال الضحاك يعني عاقلاً { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ
عَلَى الكافرين} أي هو رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين.
تفسير
القرطبي :
قوله تعالى:
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا
عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ
نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ
يَرْجِعُونَ * وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ }.
قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ
أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وفي صحيح مسلم عن
أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: «هل تدرون ممّ
أضحك؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه، يقول يا رب ألم تُجِرني من
الظُّلْم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلاّ شاهداً منّي قال فيقول كفى
بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال فيختم على فيه فيقال لأركانه
انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلَّى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنّ وسُحقًا
فعنكنّ كنت أناضِل» خرجه أيضاً من حديث أبي هريرة. وفيه: «ثم يقال له الآن نبعث
شاهدَنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه
وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليُعذِر من نفسه وذلك المنافق
وذلك الذي يسخط الله عليه». وخرج الترمذي عن معاوية بن حَيْدَة عن النبي صلى الله
عليه وسلم في حديث ذكره قال: وأشاره بيده إلى الشام فقال «من هاهنا إلى هاهنا
تحشرون ركباناً ومشاة وتجرّون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفِدَام توفون
سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمهم على الله وإن أول ما يعرِب عن أحدكم فخذه» في رواية
أخرى «فخذه وكفّه» الفِدام مصْفاة الكوز والإبريق؛ قاله الليث. قال أبو عبيد: يعني
أنهم منعوا الكلام حتى تكلم أفخاذهم فشبه ذلك بالفِدام الذي يجعل على الإبريق. ثم
قيل في سبب الختم أربعة أوجه: أحدها لأنهم قالوا {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا
مُشْرِكِينَ} (الأنعام: 23) فختم الله على أفواههم حتى نطقت جوارحهم؛ قاله أبو موسى
الأشعري. الثاني ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم؛ قاله ابن زياد. الثالث لأن
إقرار غير الناطق أبلغ في الحجة من إقرار الناطق؛ لخروجه مخرج الإعجاز، وإن كان
يوماً لا يحتاج إلى إعجاز. الرابع ليعلم أن أعضاءه التي كانت أعواناً في حق نفسه
صارت عليه شهوداً في حق ربه. فإن قيل: لم قال {وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} فجعل ما كان من اليد كلاماً، وما كان من الرجل شهادة؟
قيل: إن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرِة، وقول الحاضر على غيره شهادة، وقول الفاعل
على نفسه إقرار بما قال أو فعل؛ فلذلك عبر عما صدر من الأيدي بالقول، وعما صدر من
الأرجل بالشهادة. وقد روي عن عُقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فَخِذه من الرِّجل اليسرى»
ذكره الماوردي والمهدوي. وقال أبو موسى الأشعري: إني لأحسب أن أول ما ينطق منه فخذه
اليمنى؛ ذكره المهدوي أيضاً. قال الماوردي: فاحتمل أن يكون تقدم الفخذ بالكلام على
سائر الأعضاء؛ لأن لذة معاصيه يدركها بحواسه التي هي في الشطر الأسفل منها الفخذ،
فجاز لقربه منها أن يتقدم في الشهادة عليها. قال: وتقدمت اليسرى؛ لأن الشهوة في
ميامن الأعضاء أقوى منها في مياسرها؛ فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها.
قلت: أو بالعكس لغلبة الشهوة، أو كلاهما معاً والكفّ؛ فإن بمجموع ذلك
يكون تمام الشهوة واللذة. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ
فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} حكى الكسائي: طَمَس يَطمِس
ويَطمُس. والمطموس والطَّمِيس عند أهل اللغة الأعمى الذي ليس في عينيه شقّ. قال ابن
عباس: المعنى لأعميناهم عن الهدى، فلا يهتدون أبداً إلى طريق الحق. وقال الحسن
والسّدي: المعنى لتركناهم عمياً يترددون. فالمعنى لأعميناهم فلا يبصرون طريقاً إلى
تصرفهم في منازلهم ولا غيرها. وهذا اختيار الطبري. وقوله: {فَاسْتَبَقُواْ
الصِّرَاطَ} أي استبقوا الطريق ليجوزوا «فَأَنَّى يُبْصِرُونَ» أي فمن أين يبصرون.
وقال عطاء ومقاتل وقتادة وروي عن ابن عباس: ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم،
وأعميناهم عن غَيِّهم، وحوّلنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى؛ فاهتدوا وأبصروا
رشدَهم، وتبادروا إلى طريق الآخرة. ثم قال: {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} ولم نفعل ذلك
بهم؛ أي فكيف يهتدون وعين الهدى مطموسة،على الضلال باقية. وقد روي عن عبد الله بن
سلاَم في تأويل هذه الآية غير ما تقدّم، وتأولها على أنها في يوم القيامة. وقال:
إذا كان يوم القيامة ومُدَّ الصراط، نادى منادٍ ليقم محمد صلى الله عليه وسلم
وأمته؛ فيقومون بَرُّهم وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط، فإذا صاروا عليه طمس الله
أعين فُجَّارهم، فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه. ثم ينادي منادٍ ليقم
عيسى صلى الله عليه وسلم وأمته؛ فيقوم فيتبعونه برّهم وفاجرهم فيكون سبيلهم تلك
السبيل، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام. ذكره النحاس وقد كتبناه في التذكرة
بمعناه حسب ما ذكره ابن المبارك في رقائقه. وذكره القشيري. وقال ابن عباس رضي الله
عنه: أخذ الأسود بن الأسود حجراً ومعه جماعة من بني مخزوم ليطرحه على النبي صلى
الله عليه وسلم؛ فطمس الله على بصره، وألصق الحجر بيده، فما أبصره ولا اهتدى، ونزلت
الآية فيه. والمطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شَقّ، مأخوذ من طَمَس الريحُ
الأثَر؛ قاله الأخفش والقتبي.
قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا
اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} المسخ: تبديل الخِلقة وقلبها حجراً أو
جماداً أو بهيمة. قال الحسن: أي لأقعدناهم فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا
وراءهم. وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر. وقد يكون المسخ تبديل صورة الإنسان
بهيمة، ثم تلك البهيمة لا تعقل موضعاً تقصده فتتحير، فلا تقبِل ولا تُدبِر. ابن
عباس رضي الله عنه: المعنى لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم. وقيل: المعنى لو نشاء
لمسخناهم في المكان الذي اجترءوا فيه على المعصية. ابن سلام: هذا كله يوم القيامة
يطمس الله تعالى أعينهم على الصراط. وقرأ الحسن والسُّلَمي وزِرُّ بن حُبَيش وعاصم
في رواية أبي بكر: «مَكَانَاتهِمْ» على الجمع، الباقون بالتوحيد. وقرأ أبو حَيْوَة:
«فَمَا اسْتَطَاعُوا مَضِيًّا» بفتح الميم. والمضي بضم الميم مصدر يَمضي مُضيًّا
إذا ذهب.
قوله تعالى: {وَمَن نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} قرأ عاصم
وحمزة «نُنَكِّسْه» بضم النون الأولى وتشديد الكاف من التنكيس. الباقون «نَنْكُسْه»
بفتح النون الأولى وضم الكاف من نكستُ الشيءَ أَنْكسُه نَكْساً قلبته على رأسه
فانتكس. قال قتادة: المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا. وقال سفيان
في قوله تعالى: {وَمَن نّعَمِّرْهُ
نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} إذا بلغ ثمانين سنة تغيّر جسمه وضعفت قوّته. قال
الشاعر:
من عاش أخلقتِ الأيامُ جِدّتَهُ
وخانه ثِقَتَاه السَّمْع والبصرُ
فطول العمر يصيِّر الشباب هَرَما، والقوّة ضعفاً، والزيادة نقصاً، وهذا
هو الغالب. وقد تعوّذ صلى الله عليه وسلم من أن يردّ إلى أرذل العمر. وقد مضى في
«النحل» بيانه. {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أنّ من فعل هذا بكم قادر على بعثكم. وقرأ
نافع وابن ذكوان: «تَعقِلون» بالتاء. الباقون بالياء.
تفسير
ابن جرير الطبري :
القول في تأويل قوله تعالى:
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ: اليوم
نطبع على أفواه المشركين، وذلك يوم القيامة وَتُكَلِّمُنا أيْدِيهِمْ بما عملوا في
الدنيا من معاصي الله وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ قيل: إن الذي ينطق من أرجلهم: أفخاذهم
من الرجل اليُسرى بَمَا كانُوا يَكْسِبُونَ في الدنيا من الآثام. وبنحو الذي قلنا
في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس بن عبيد، عن
حميد بن هلال، قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة،
فيعرض عليه ربُّه عمله فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أي ربّ عملت عملت عملت،
قال: فيغفر الله لهم ذنوبه، ويستره منها، فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب
شيئا، وتبدو حسناته، فودّ أن الناس كلهم يرونها ويدَعى الكافر والمنافق للحساب،
فيعرض عليه ربه عمله فيجحده، ويقول: أي ربّ، وعزّتك لقد كتب عليَّ هذا الملك ما لم
أعمل، فيقول له الملك: أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزّتك أي
ربّ، ما عملته، فإذا فعل ذلك ختم على فيه. قال الأشعري: فإني أحسب أوّل ما ينطق منه
لفخذه اليمنى، ثم تلا: اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ وتُكَلِّمُنا
أيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أرْجُلُهُمْ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثني يحيى، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن
الشعبيّ، قال: يقال للرجل يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: ما عملت، فيختم على
فيه، وتنطق جوارحه، فيقول لجوارحه: أبعدكنّ الله، ما خاصمت إلا فيكنّ.
حدثنا بشر، قلا: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الْيَوْمَ
نَخْتِمُ عَلى أفْوَاهِهِمْ… الآية، قال: قد كانت خصومات وكلام، فكان هذا آخره،
وَخَتَمَ على أفْوَاهِهِمْ.
حدثني محمد بن عوف الطائي، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن عياش، عن ضمضم
بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن عقبة بن عامر، أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم
يقول: «أوَّلُ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ مِنَ الإنْسانِ، يَوْمَ يَخْتِمُ اللّهُ على
الأَفْوَاهِ، فَخِذُهُ مِنْ رِجْلِهِ اليُسْرَى».
القول في تأويل قوله تعالى:
{وَلَوْ
نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُواْ الصِّرَاطَ فَأَنَّى
يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا
اسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ}.
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا على
أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فقال بعضهم: معنى ذلك: ولو نشاء لأعميناهم عن
الهدى، وأضللناهم عن قصد المَحَجَّة. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،
قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ يقول: أضللتهم وأعميتهم عن الهدى.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولو نشاء لتركناهم عميا. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله:
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأنَّى
يُبْصِرُونَ قال: لو يشاء لطمس على أعينهم فتركهم عميا يتردّدون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَلَوْ
نَشاءُ لَطَمَسْنا على أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فأنَّى يُبْصِرُونَ
يقول: لو شئنا لتركناهم عميا يتردّونه.
وهذا القول الذي ذكرناه عن الحسن وقتادة أشبه بتأويل الكلام، لأن الله
إنما تهدّد به قوما كفارا، فلا وجه لأن يقال: وهم كفار، لو نشاء لأضللناهم وقد
أضلهم، ولكنه قال: لو نشاء لعاقبناهم على كفرهم، فطمسنا على أعينهم فصيرَّناهم عميا
لا يبصرون طريقا، ولا يهتدون له والطَّمْس على العين: هو أن لا يكون بين جفني العين
غرٌّ، وذلك هو الشقّ الذي بين الجفنين، كما تطمس الريح الأثر، يقال: أعمى مطموس
وطميس.
وقوله: فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ يقول: فابتدروا الطريق، كما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
فاسْتَبَقَوا الصِّرَاطَ قال الطريق.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاسْتَبَقُوا
الصِّراطَ: أي الطريق.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ قال: الصراط، الطريق.
وقوله: فَأنَّى يُبْصِرُونَ يقول: فأيّ وجه يبصرون أن يسلكوه من الطرق،
وقد طمسنا على أعينهم، كما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث،
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فَأنَّى
يُبْصِرُون وقد طمسنا على أعينهم.
وقال الذين وجهوا تأويل قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا على أعْيُنِهِمْ
إلى أنه معنيٌّ به العَمَى عن الهدى، تأويل قوله: فَأنَّى يُبْصِرُونَ: فأنى يهتدون
للحقّ. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس
فَأتَّى يُبْصِرُونَ يقول: فكيف يهتدون.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس فَأنَّى يُبْصِرُونَ يقول: لا يبصرون الحقّ.
وقوله: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ على مَكانَتِهمْ يقول تعالى ذكره:
ولو نشاء لأقعدنا هؤلاء المشركين من أرجلهم في منازلهم فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا
وَلا يَرْجِعُونَ يقول: فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم، ولا أن يرجعوا وراءهم.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن وَلَوْ نَشاءُ
لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ قال: لو نشاء لأقعدناهُمْ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد عن قتادة وَلَوْ نَشاءُ
لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ: أي لأقعدناهم على أرجلهم فَمَا اسْتَطاعُوا
مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ فلم يستطيعوا أن يتقدّموا ولا يتأخروا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولو نشاء لأهلكناهم في منازلهم. ذكر من قال
ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه،
عن ابن عباس، قوله: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكَانَتِهِمْ فَمَا
اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ يقول: ولو نشاء أهلكناهم في مساكنهم.
والمكانة والمكان بمعنى واحد. وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل.
القول في
تأويل قوله تعالى:
{وَمَن
نّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ * وَمَا عَلَّمْنَاهُ
الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ *
لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}.
يقول تعالى ذكره: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ فنمُدّ له في العمر نُنَكِّسْهُ
فِي الخَلْقِ نردّه إلى مثل حاله في الصبا من الهرم والكبر، وذلك هو النكس في
الخلق، فيصير لا يعلم شيئا بعد العلم الذي كان يعلمه. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل
التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَمَنْ
نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ يقول: من نَمُدّ له في العمر ننكسه في الخلق،
لكيلا يعلم بعد علم شيئا، يعني الهَرَم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: نُنَكِّسْهُ فقرأه عامة قرّاء المدينة
والبصرة وبعض الكوفيين: «نَنْكِسْهُ» بفتح النون الأولى وتسكين الثانية، وقرأته
عامة قرّاء الكوفة: نُنَكِّسْهُ بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار،
فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن التي عليها عامة قرّاء الكوفيين أعجبُ إليّ،
لأن التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال، وشيء بعد شيء، فذلك تأييد
للتشديد.
وكذلك اختلفوا في قراءة قوله: أفَلا يَعْقِلُونَ فقرأته قراء المدينة:
«أفَلا تَعْقِلُونَ» بالتاء على وجه الخطاب. وقرأته قرّاء الكوفة بالياء على الخبر،
وقراءة ذلك بالياء أشبه بظاهر التنزيل، لأن احتجاج من الله على المشركين الذين قال
فيهم وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فإخراج ذلك خبرا على نحو ما خرج
قوله: لَطَمَسْنا على أعْيُنِهِمْ أعجب إليَّ، وإن كان الآخر غير مدفوع.
ويعني تعالى ذكره بقوله: أفَلا يَعْقِلُونَ: أفلا يعقل هؤلاء المشركون
قُدْرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون من تصريفه خلقه فيما شاء وأحبّ من
صغر إلى كبر، ومن تنكيس بعد كبر في هرم.
وقوله: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ يقول تعالى ذكره:
وما علَّمنا محمدا الشعر، وما ينبغي له أن يكون شاعرا. كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَما
عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كانت أَبغض الحديث إليه، غير أنه كان
يتمثَّل ببيت أخي بني قيس، فيجعل آخره أوّله، وأوّله آخره، فقال له أبو بكر: إنه
ليس هكذا، فقال نبيّ الله: «إنّي وَاللّهِ ما أنا بِشاعِرٍ، وَلا يَنْبَغِي لي».
وقوله: إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ يقول تعالى ذكره: ما هو إلا ذكر، يعني
بقوله: إنْ هُوَ: أي محمد إلا ذكر لكم أيها الناس، ذكركم الله بإرساله إياه إليكم،
وَنَّبهكم به على حظكم وَقُرآنٌ مُبِينٌ يقول: وهذا الذي جاءكم به محمد قرآن مبين،
يقول: يَبِين لمن تدبَّره بعقل ولبّ، أنه تنزيل من الله أنزله إلى محمد، وأنه ليس
بشعر ولا مع كاهن، كما:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقُرآنٌ مُبِينٌ
قال: هذا القرآن.
وقوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يقول: إن محمد إلا ذكر لكم لينذر
منكم أيها الناس من كان حيّ القلب، يعقل ما يقال له، ويفهم ما يُبيَّن له، غير ميت
الفؤاد بليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو معاوية، عن رجل، عن أبي رَوْق، عن
الضحاك، في قوله: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا قال: من كان عاقلاً.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لِيُنْذِرَ مَنْ
كانَ حَيًّا: حيّ القلب، حيّ البصر.
قوله: وَيَحِقَّ القَوْلُ على الكافِرِينَ يقول: ويحقّ العذاب على أهل
الكفر بالله، المولِّين عن اتباعه، المعرضين عما أتاهم به من عند الله. وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وَيحِقَّ القَوْلُ
على الكافِرِينَ بأعمالهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق