بوح الشجون

كتبها

صبري الصبري ، في 10 يناير 2012 الساعة: 06:55 ص

 

المعتمد بن عباد ملك أشبيلية في عصر ملوك الطوائف من بني عباد، ولد في باجة (إقليم في البرتغال حاليا) وتوفي في أغمات 431 هـ - 488 هـ / 1040 - 1095م, اسمه محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللخمي أبو القاسم المعتمد على الله. كان شابا، فارسا، شاعرا مجيدا، يحب الأدب؛ فاجتمع في بلاطه نجوم ساطعة من أرباب ونوابغ القصيد من أمثال أبي بكر بن عمار، وابن زيدون، وابن اللبانة، وابن حمديس الصقلي، وكما كان المعتمد شاعرا مجيدا، كانت زوجته اعتماد الرميكية شاعرة كذلك وكان له ثلاث جواري وداد وسحر وقمر ، وكانت إشبيلية حاضرة دولته آية في الروعة.

***
بوح الشجون
***
(وقفة على قبر المعتمد بن عباد)
شعر

صبري الصبري
***

سُقِيتَ قطرَ السما يـا قبـرَ أمجـادِ ونلت كل المنى فـي بـرزخ نـادِ

وحزت متن العلا في قمـة شهـدت جمالَ جو الفضا في صدق أشهـادِ

فأنت في فكرنا تحيـا ومـا فتـأت شجون وجداننـا تصحـو بإرفـادِ

وأنت في وعينا .. في روحنا نطقت لحـون آلامنـا فـي ليـل سُهَّـادِ

وأنت في فرحنا .. في حزننا سبحت دمـوع بلبالنـا فـي يـم أضـدادِ

تعيش في شعرنا في نثرنا نطقـت حروفُ إبداعنـا إبداعـك الحـادي

وأنت في سردنا تُحْكَـى بـلا ملـلٍ روتـك أشواقـنـا دومــا لأولادِ

هدتـك أحلامنـا إشـراق بارقـة تشع إشراقهـا فـي ركـب أحفـادِ

سقتـك أورادنـا ينبـوع ساقيـة تبـث طنبورهـا للأجـدب الصـادِ

فأنت بالمرتقى فـي ذروة سطعـت ضياء ما قد مضى في نـور وقَّـادِ

يضيء صرح الإبا في أمة جلسـت بغيـر أمجادهـا تهـفـو لعُـبَّـادِ

كليوث إقدامها تهـوي بـلا كلـلٍ بسيوف بز العـدا تهـوي بإهمـادِ

فجيش خصم الضيا يجثو على طللٍ بذلَّ كبـت بـدا للأحمـق العـادي

قهرت (أدفونشهم) أعييْتـه رهقـا يغور بين الثـرى يهـوي بإجهـادِ

بسيوف جيش العلا في ويل ماحقة يصير قزما ثوى في كهـف أنـدادِ

وأنت كنت الفتى تشـدو لنـا دررا يبـث إبداعهـا أشعـار إنـشـادِ

فنلت كل المنى يا من لـه طربـت جمـال أهدابهـا (سِحْـرٌ) بإمـدادِ

(وداد) تشتاقها في سترها بَهِجَـتْ ستور إسعادها في فرش مـزدادِ !

دلال إشراقهـا (قمـر) كمـا قمـر رحيق تحنانها للفـارس الشـادي

وعشت عيشا سما ضمته أندلـسٌ ربـوع فردوسنـا يزهـو بإسعـادِ

(رميكيةُ ) الوفا والأهل فـي رغـدٍ تخوم أمجادهـم بالأغيـد الغـادي

دموعها سكبت (أم الربيـع) هنـا عيونهـا ذرفـت تمزيـق أكـبـادِ

معـاش أوقاتهـا أزمانـه قلـبـت رحـاب أيامهـا أرتـال أعــدادِ

كموج إغراقكم في قصركم نبشـت رمـاحُ تغييرهـم تاريـخَ أجــدادِ

وخيل إدهاشهم تجرى به جزعـت نياط وجدانهـم بالسهـل والـوادي

وأنت كنت الفتى تنساب في شمـم تزود عن حصنكم أطيـافَ إفسـادِ

وكان سجنا لكـم أصفـاده طبقـت آلام أعطافكـم تـرنـو لأصـفـادِ

(غمات) بين الربى تحويكمُ حكمـت شحوب إحكامها فـي قفـل شـدَّادِ

قفـول أحكامهـا كانـت ب(معتـد) هجـوم أعدائـه يجـري بـأورادِ

وغزل بنت لـه للصـوف تغزلـه لقـوت إطعامهـم بالقـدر والكـادِ

وطول صبر لـه فـي ظـل نكبتـه جـراح أسـر لـه حـزنٌ بأعيـادِ

خطوب كبت الضنا جاءتـه رامحـة دعا لجلب الرضا من بسـط جـوَّادِ

تموت زوجا له كانـت لهـا همـم حنان خفَّاقهـا فـي زحـف آمـادِ

عموم إغداقهـا إشراقهـا سطعـت آفاقها لاحـت فـي أحسـن الـزادِ

صعاب ذاك الردى تشكو بوحدتهـا صخور تقييدها فـي بطـن أطـوادِ

جموع أعدائها فرحوا لمـا لقيـت بقهر إذلالها .. يـا ويـح حُسَّـادِ

بقبر تشييعها ترنو (اعتمادا) مضت بدفن توديعها فـي ضحـل أبعـادِ

(غمات) أرجاؤها ضمتك في جـدثٍ يلوح بين الورى صفحـات أمجـادِ

قصيـد بلبالنـا يهمـي بسيرتكـم صنوف تعبيرنا فـي صفـو إيـرادِ

بكاك شعر لنا في حزنـه سبحـت ميـاه أشجاننـا فـي فيـض زوَّادِ

رثـاك ديواننـا فـي كـل قافيـة دعتك أحلامنا فـي مربـع هـادي

سطوع إشراقهـا أبياتنـا نطقـت جهـور أشواقنـا ليسـت بإغمـادِ

هداك منهاجنـا أشواقنـا طربـت سمـاع عشاقنـا للشـدو بالضـادِ

ربيع أشعارنـا يهمـي لنـا وجعـا يضمه دهـرا فـي حزننـا البـادِ

فأنت في شرقنا في غربنـا لمعـت نجـوم أفذاذنـا أنـوار إرشــادِ

عطتك أوجاعنا شـدوا بـه نبكـي زمان إبداعكم فـي ركـب مرتـادِ

نداء وجداننـا (أغمـات) تحفظـه ببوح أحزاننا فـي رفـض إخمـادِ

يضم أطلالكـم يهـدي ل(معتمـدٍ) آهات أشجاننـا فـي وقـت إبـرادِ

بوقت أعطالنـا بالصيـف لفحتـه بحره يسري فـي سُعـره العـادي

وحين إقباله فصل الخريـف أتـى بودقـه غطـى أغصـان أعـوادِ

وحين إشراقه روض الربيـع لـه بدهرنـا حسـن يزهـو لـعُـوَّادِ

رجـاء إبلاغـه عـنـا محبتـنـا فإننا نرجو عصر ابـن (عبَّـادِ) !!