الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

مقال عن قصيدتي شمس الصباح


مقال للكاتبة السعودية
الأستاذة ليلى محمد باهمام
في جريدة اليوم السعودية
بتاريخ الخميس الموافق 12 يونيو 2014 العدد 14972
عن قصيدتي : شمس الصباح
****
واقرأ قَصِيدَةَ شَاعِرٍ مُتَأدِّبٍ

بالخَيْرِ.. فالشِّعرُ الجَمِيلُ تَأدُّبُ
بيتٌ من قصيدةٍ حديثة راقت لي فقد جاء في مطلعها:
شَمْسُ الصَّبَاحِ إذا أضَاءَتْ تَغْرُبُ
والبَدْرُ مَا يَعْلُو وَيَزْهُو يَشْحُبُ
والنَّهْرُ يَأسَنُ بالرُّكُودِ وإنْ صَفَا
والبَحْرُ مَا مَجَّ المَوَالِح يَعْذُبُ
هذه القصيدة أحسن بناءها المهندس المدني صبري الصبري الشاعر والقاص المصري المعاصر، فتجَلَّت الحكمة في كل شَطْرٍ منها رغم طولها، فسُبحان مَنْ ألهمه، وأسأل الله أن يُبارك لمصر التي أُحبها، ولكل الأخوة المصريين في رئيسهم المُنتخب الجديد، وأنْ يَقيَهُم الفِتٓن ما ظهر منها وما بطن.
نحن كبشر يدفعنا احتياجنا المادي إلى العمل وبذل المزيد من الجُهد لأننا نعلم بأن الوصول إلى المال يعني الوصول إلى كل ملذات الحياة المُباحة
وأعترف لكم رغم أنني امرأة صباحية تعشق طلوع الفجر وتنتظره بشغفٍ بالغ، ألا إنني لديَّ يقينٌ دائمٌ بأن الشروق يعقبه غروب يُتيح للبدر فرصة الظهور بزهوٍ جميلٍ يُحسدُ عليه،لكنه ما يلبث أن يتضاءل ليُصبح هلالاً بهي الحُسن جميل المُحيّٓا، ولكل لحظة من هذه اللحظات تجلِيَاتها وعُشاقها الذين لا يفتأون يذكرونها شعراً ونَثْراً.
التحوُّل والتغيُّر سُنَّةُ الحياة التي لم تَصْفُ ولن تَصفو لأحدٍ كائناً مَنْ كان، وقلوبنا بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء، كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم– يقول : ((إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحدٍ يُصَرِّفَهُ حيث شاء ثم قال: اللهم يا مُصَرِّفَ القُلُوبَ صَرِّف قلوبنا على طاعَتِك)) رواه مسلم، ولذلك فقد قيل قديماً «دَوَامُ الحالِ مِنَ المُحَال».
والقلبُ ينأى بالجوارحِ إن غَوٓى
وإذا تَصَافَى بالهداية يقربُ
والنفسُ تُصْلِحُها الهدايةُ والتُّقَى
وإذا استطالت في الغِوَايَةِ تخربُ
والنبعُ في بَطْنِ الترابِ إذا رَبَى
يوماً بأعماقِ البسيطةِ يَنْضُبُ
ذلك التحوُّل من حالٍ إلى حالٍ ليس في حياتنا كبشرٍ فحسب، بل نلمسه في كل ما حولنا من كائنات، فالنهر رغم عذوبته إنْ توقف عن الجريان تغيَّر طعمه، والبحر رغم ملوحته العالية إلا إن الإنسان الذي ألهمه الله العلم والعمل تمكن وعبر مصانع التحلية من تنقيته ليُصبح ماءً عَذْباً زُلالاً -وما زلنا في بعض مدن ومحافظات المنطقة الشرقية ننتظر وصوله إلينا- لا سيما بعد أن بلغ واحة الأحساء وما حولها فانتشى به الشجر والبشر في ظل نضوب أشهر العيون فيها.
ولأن القلب هو محل العقل -كما ذكرتُ في مقالٍ سابق- فإنَّه هو منَاط الهداية والغواية بعد توفيق الله تعالى وهدايته لذا فهو نقطة التحول الأولى في حياة كل مَنْ رُزِق به فصار مُكلفاً بمقتضاه، مُحاسباً على تقصيره..
والروضُ ما أهملت رَيَّ زهوره
بجفافها رغم المَلاحةِ تَعْطَبُ
والطيرُ بالأوكار قَرَّ بلَيْلِـــهِ
وبصبحه الأرزاق يسعى.. يطلبُ
والنمرُ يَفْتُكُ بالغزالةِ جائعاً
وبشبْعِهِ يغفو فيغفو المخلبُ
نعم ما يدفعنا لفعل الكثير من تصرفاتنا وممارساتنا -وإنْ كانت خاطئة- هو الشعور بحاجتنا المَّاسَّة لها، فإنْ شعرنا بالجوع بحثنا عن الطعام في مطبخ البيت أو لجأنا إلى المطاعم لإشباع هذا الاحتياج، وهو ذاته ما يحدث عند شعورنا بالعطش أو المرض أو الرغبة في الارتواء من المشاعر بشتى أنواعها، ولذلك يلجأ مُدربو السِّبَاع في السيرك وغيره إلى إطعام الحيوانات قبل البدء في تدريبها أو إنزالها لمواجهة الجمهور لأنهم متأكدون أنها إن شبعت لن تضرَّ مخلوقاً وإنْ وَضَعَ رأسه بين أنيابها، فهي بفطرتها تصطاد لتأكل ولا تقتل فريستها لمجرد الرغبة في القتل.
ونحن كبشر يدفعنا احتياجنا المادي إلى العمل وبذل المزيد من الجُهد لأننا نعلم بأن الوصول إلى المال يعني الوصول إلى كل ملذات الحياة المُباحة، وقد يصل بنا إلى الجنَّة ونعيمها المُقيم إنْ نحنُ أحسنَّا التصرٌُف فيه.
إن التأمل في الحياةِ سعادةٌ
فيها ابتهاجٌ واخضرارٌ مُعْشِبُ
نَضْرٌ جميلٌ باهرٌ ذو سُنْدُسٍ
حُلْوٌ رقيقٌ للقلوبِ مُحَبَبُ
عذبٌ بهيٌّ ساطعٌ في طَيِّهِ
زهرٌ ووَردٌ للسآمَةِ مُذْهِبُ
يروق لي أن أذكر دائماً أنَّ أبسط الأشياء في مُحيطنا قد تُسعدنا دون اضطرارٍ للرحيل أو شَدِّ الرِّحال، فالسعادة قد نجدها في ضحكة طفلْ يُناغي باستمتاع، أو دَعوة والدين بعد أن أدخلت السرور إلى قلبيهما فَبَررتَ بهما بفعلٍ أو قول، ولعلها مُجرد «كلمة طيبة» أو ابتسامة من زوجةٍ مُحبَّة تستقبلك بها فتُسقط عن كاهلك تعب يومٍ بأكمله وإن كُنت أشقى الناس حالاً.
وَاجِهْ صِعَابَكَ في الحياةِ بحكمةٍ
ما صعْب أمرٍ بالعَزِيمةِ يصعبُ
واعْمُرْ فؤادك باليقين فإنَّــهُ
طِبٌّ لقلبكَ.. والحياةُ تَطَبُّبُ
قليلون هم مَنْ يُلهمهم الله الحكمة والثبات في ساعة الشِدَّة فيَتَحلَّون بعزيمة بوسعها دَكّ أعْتَى الجبال، لأنهم يمتلكون مع الإرادة شيئاً من اليقين بأنَّ -وبإذن الله تعالى- كُلَّ شِدَّةٍ ستُفرَج، وكل مُبْتلى سيُعافى، وكل مدِينٍ سيُقضى دينه، وكل خاسرٍ سيربح إن هو بَذل الأسباب مُتوكِّلاً على ربِّ العباد، ويزدادون يقيناً حين يعلمون بأن العبد يُبتلى بحسب إيمانه ومحبة الله له، وفي هذا اليقين «مستشفى» متكامل لكافة أمراضنا وأعراضنا النفسية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً، أسأل الله أن يرزقنا اليقين الدائم والثبات على الحق وأنْ يُطمئن قلوبنا باسمه، وقد لَمستُ أثَر هذه الدعوة التي يُردِّدها بعض كبار السِنِّ عليهم في أواخر حياتهم، فهم وإن أذهب المرض عقولهم، أو مَحا الزهايمر ذاكرتهم يظلون مُسبِّحين مُهلِّلين ذاكرين لا يتطاولون على مُسلـمٍ أو غيره بقولٍ أو فعل حتى تحين منيَّتهم فيُسلِّمون الروح إلى بارئها مُطمئنة كما أرادوا.
قبل الوداع:
سألتني: تقولين الصمت مَنْجَاة، فهل هي حكمة الصمت الوحيدة من وجهة نظرك؟
فقلت: عندما تملؤنا الخيبات من أقرب النَّاس إلينا نصمت، لأن ما بِداخلنا لا يمكن أن تُترجمه الكلمات مهما بلغت فصاحتها، وفي القصيدة بيت يقول فيه الشاعر:
ودوامُ حالٍ مِنْ مُحَالٍ طالما
في هذهِ الدُّنْيَا الخلائِقُ تُنْجَبُ!!
وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله لتلميذه الربيع:
إلى اللهِ أشْكُو لا إلى النَّاسِ أنَّني
أرَى الأرضَ تَبْقى والأخِلاء تَذْهَبُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق