مأساة
***
شعر
صبري الصبري
***
***
شعر
صبري الصبري
***
|
بالليل مات ولـم يكـن بجـواره
فـي موتـه أهـلٌ ولا أبـنـاءُ
|
فهـو الـذي بحياتـه أهـواؤه
غلته بئـس وبئسـت الأهـواءُ
|
لم يعرف القدر الجليـل لزوجـة
ولعشـرة فـي ظلهـا أفـيـاءُ
|
قد أدمن (الأستـاذُ) إدمانـا بـه
هـولٌ فظيـع مهلـك وبــلاءُ
|
وتبـدد المـال المؤمّـن قوتـه
فغزته فـي فقـر عتـى الأدواءُ
|
ولـه صغـار لا يـؤدي حقهـم
بطفولـة يفشـو بهـا الإيـذاءُ
|
لا صوت يعلو فوق صوت مزاجه
حلَّ (الحشيش) فجلجلت ضوضاءُ
|
حتـى تهـاوت أسـرة بأنينهـا
كانـت لديـه بهـا ألـمَّ الـداءُ
|
وتفرَّق الأحيـاء بيـن دروبهـا
فـي هـذه الدنيـا ولاح شقـاءُ
|
يحيا وحيدا في مواجـع حسـرة
يحويه بالصمت الرهيـب بنـاءُ
|
والأهل والأبنـاء فـي إتقانهـم
للصبر في عيـش لهـم نجبـاءُ
|
هجروه هجر العارفيـن لقدرهـم
فهم الضحايا بالأسـى العقـلاءُ
|
بالعلم كـان الإشتغـال نجاحهـم
ترياق بـرء للجـوى وشفـاءُ
|
والأم أم الخيـر كانـت قلـعـة
للعـزم فيهـا همـة وعــلاءُ
|
ضخت عظيم الجهد في أبنائهـا
كالغرس فيهـم نضـرة ونمـاءُ
|
حتـى تحقـق حلمهـا بتكامـل
لجميـل تربيـة بهـا الإعـلاءُ
|
عاشوا ببستـان الحيـاة بألفـة
فـي روضـة بمروجهـا الآلاءُ
|
وهو المعاقـر للبلايـا أطبقـت
جهرا عليـه بسوئهـا الظلمـاءُ
|
عانى من الأسقام يشكو وحـده
سقمـا بـه للظالميـن الــداءُ
|
حتى تلاشى بين أطبـاق العنـا
وبـه تخلـل جسمـه الإغمـاءُ
|
من كان يحفظ بالصلاح شبابـه
فلـه مشيـب هانـئ وضَّــاءُ
|
ومـن استقـام مبكـرا بحياتـه
فحياتـه فـي الباقيـات نمـاءٌ
|
ومن استقر مـع المخـدر داره
مهما تلذذ ب(الحشيـش) خـواءُ
|
ومن استعاض عن البنين برفقة
للشر ولَّى مـن حمـاه ضيـاءُ
|
قـد كانـت الأبنـاء تعلـم أنـه
إسـم تحـار بإسمـه الأسمـاءُ
|
بالإسم والدهـم بـلا فعـل ولا
ربَّـى ولا كانـت بـه الأشيـاءُ
|
منحوه بالسقم الشديـد دواءهـم
فأتى إليـه مـن الجميـع دواءُ
|
زاروه يعطـون العطايـا كلهـم
بأكفهـم بـذل لــه وسـخـاءُ
|
وقلوبهم تحوي المرارة علقمـا
تسـري بذكـرى كلـهـا لأواءُ
|
وبراءة الأحفاد تسـأل سؤلهـا
عن جدهم حلـت بـه النكـراءُ
|
هم يحملون بطاقة فـي سطرهـا
إسم لـه بزيـارة قـد جـاءوا
|
لكنهـم جمعـا نواصيهـم هنـا
بجـواره بفـراشـه غـربـاءُ
|
ما كانت الأسمـاء يومـا دافعـا
للحب فالحب الصـدوق عطـاءُ
|
وبطيبها الأفعال تغرس جذرهـا
بالقلـب تنبـت جنـةٌ خضـراءُ
|
بالبر يأتي البـر يؤتـي خيـره
وإذا تلاشـى فالحيـاة جـفـاءُ
|
وحرارة الأشواق تخبـو عندمـا
تقسو القلوب وتنضب الأحشـاءُ
|
والمرء بالأحبـاب يحيـا طالمـا
أعطـى وإلا فالعقـوق جــزاءُ
|
من قدم الإحسـان يلقـى مثلـه
وإذا تقاعـس كانـت البـلـواءُ
|
ومن استطاب الغي يغوي جهرة
مهما حواه مع الذنـوب خفـاءُ
|
ومن استلذ الإثـم ذاق مـرارة
وأتاه من كـأس الأنيـن سقـاءُ
|
وإذا غفا الأبناء كانـت شقـوة
فيهـا تضـل بلهوهـا الآبـاءُ
|
والستر للإنسان غنم مـا اتقـى
ومن القناعـة ملبـس وكسـاءُ
|
والنفس تطغى ما تركت زمامهـا
ولها مـع الحـزم الشديـد ولاءُ
|
وإذا حبـاك الله شكـر عطائـه
فبه تزيد مـع الصفـا النعمـاءُ
|
وإذا استبدت بالنفـوس نـوازغ
هاجت وماجت .. فالنفوس هواءُ
|
بالليل مات على الفراش ممـددا
وبه استحر من الغيوب قضـاءُ
|
(قد مات بالعيش الفقيد ولم يمت
يوم الممات) … تشعبت آراءُ !
|
قد كان موكبـه المشيـع فاتـرا
ولـه بأطـراف البنـان عـزاءُ
|
دفنوه ظهرا والحرارة أمطـرت
نارا بصيف فـي لظـاه عنـاءُ
|
في شهر صوم كان موعد دفنـه
بالقبـر فيـه لجسمـه الإفنـاءُ
|
والله يرحم من يشـاء بفضلـه
فله الكريم من اللظـى عتقـاءُ !
|