السبت، 30 يناير 2016

قرصة برد


                              قرصة برد
                                  ***
شعر 
صبري الصبري
***
رأيت الناس قد ضجوا ببردِ
صقيع سد عيشهم بسدِ

فلفوا جسمهم جمعا بصوف
كثيف واكتسوا طرا بِبُرْدِ

وباتوا في مواقدهم لدفء
بنار أوقدت فيهم بِجِد

ففيها بعض إنقاذ سريع
لمن لاقاه تجميدٌ بخدِ

وأطراف يوافيها هجوع
بعطل للأصابع مستجدِ

وأقدام بها الآلام تسري
بلا عد ولا حصر وحدِ

وإخلال بأعماق الخلايا
بإعطاب لعزم مستعدِ

رجوع عن مشاوير لبيت
به الإفلات من جزر ومدِ

به الإيناس في سر وجهر
مع الأهلين في قرب وصدِ

وبحث عن فراش فيه بعض
من الفكر المكدس بعد كدِ

وخوض اللب في ذكرى تولت
وذكرى قد تجيء بغير ردِ

تدثر جسمنا وانزاح وقت
جرى فيه انسياب دون ضدِ

وراح الناس في (فيس) بقالٍ
وقيل فيه لهجات التعدي

فإن البرد من آلاء ربي
قضاء فيه إعجاز التحدي !

وهل للعبد من أمر بدنيا
فإن الأمر من ربٍّ لعبدِ !

وما بالكون من شيء وإلا 
له التدبير في أمس وغدِ

مراد الله جل الله يُحيى
يُميت فما لنا في الأمر أيدي

علامات بها الآيات تبدو
بلا حصر لها أو حد عَدِّ

وإنعام كثير السمت يزهو
لنا في بسط تمهيد وفَرْدِ

وبعض الناس في ذكر وشكر 
لرب العرش في طهر وحمدِ

وإقبال سليم القلب يحيا
به المسعود في نور لقصدِ

ويذكر شأنه دوما بقبر
ببرزخه بأعماق للحدِ

ويعمل جاهدا بالحق صحوا
كريما باذلا طاقات جهدِ

بقرآن عظيم فيه يحلو
له الترتيل في قصر ومدِ

وتفخيم وترقيق ووقف
وإدغام بروضات وشهدِ

وبعض الناس في بغض وزيغ
وإفساد وإغواء وحقدِ

وإعراض عن الآلاء فظا
يواصل نقض إبرام لوعدِ 

فمن وافى الهدى نال العطايا
من المنان في خير وسعدِ

ومن رام الدجى دربا وقصدا
تبوأ مقعدا في سوء غِمدِ

فهب رباه للقلب اعتبارا
ليحفظ نابها ميثاق عهدِ

يسبحك التَّقَيُّ بكل وقت
بفصل الصيف أو فصل ببردِ

وصلى الله ربي كل وقت
على المختار هادينا لرشدِ 

وآل البيت والأصحاب طرا
لهم في القلب أشواق بودِ !