عزيزي القارئ
الكريم
سورة يس قلب الفرآن الكريم يحفظها معظم المسلمين
ويقرؤنها فرادى وجماعات ولما لهذه السورة
الكريمة
من
أنوار ونفحات أقدم تفسير سورة يس للعلماء الأجلاء ابن كثير والقرطبي وابن جرير
الطبري
وفقنا الله جميعا لما يحب
ويرضى
تفسير سورة يس
بسم الله الرحمن الرحيم
{يس * وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ *
إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ
ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ
غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ}
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ
أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ *)
تفسير
ابن كثير : سُورَة يس : قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَة
وَسُفْيَان بْن وَكِيع حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرُّوَاسِيّ عَنْ
الْحَسَن بْن صَالِح عَنْ هَارُون أَبِي مُحَمَّد عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان عَنْ
قَتَادَة عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ لِكُلِّ شَيْء قَلْبًا وَقَلْب الْقُرْآن يس
وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّه لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَة الْقُرْآن عَشْر
مَرَّات " ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث
حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن وَهَارُون أَبُو مُحَمَّد شَيْخ مَجْهُول . وَفِي
الْبَاب عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَا يَصِحّ لِضَعْفِ
إِسْنَاده وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَنْظُور فِيهِ . أَمَّا
حَدِيث الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَرَوَاهُ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي
كِتَابه نَوَادِر الْأُصُول . وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْر الْبَزَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْفَضْل
حَدَّثَنَا زَيْد هُوَ اِبْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا حُمَيْد هُوَ الْمَكِّيّ مَوْلَى
آلِ عَلْقَمَة عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ
لِكُلِّ شَيْء قَلْبًا وَقَلْب الْقُرْآن يس " ثُمَّ قَالَ لَا نَعْلَم رَوَاهُ
إِلَّا زَيْد عَنْ حُمَيْد . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْحَاق
بْن أَبِي إِسْرَائِيل حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ هِشَام بْن زِيَاد
عَنْ الْحَسَن قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : قَالَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَة
أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ وَمَنْ قَرَأَ حم الَّتِي يُذْكَر فِيهَا الدُّخَان
أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ " إِسْنَاده جَيِّد . وَقَالَ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم مَوْلَى ثَقِيف حَدَّثَنَا
الْوَلِيد بْن شُجَاع بْن الْوَلِيد السَّكُونِيّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا
زِيَاد بْن خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جُحَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ
جُنْدُب بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَة اِبْتِغَاء وَجْه اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ غُفِرَ لَهُ " . وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَارِم
حَدَّثَنَا مُعْتَمِر عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُل عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِل بْن
يَسَار رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " الْبَقَرَة سَنَام الْقُرْآن وَذِرْوَته نَزَلَ مَعَ كُلّ آيَة
مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكًا وَاسْتُخْرِجَتْ " اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
الْحَيّ الْقَيُّوم " مِنْ تَحْت الْعَرْش فَوُصِلَتْ بِهَا ( أَوْ فَوُصِلَتْ
بِسُورَةِ الْبَقَرَة ) وَيس قَلْب الْقُرْآن لَا يَقْرَؤُهَا رَجُل يُرِيد اللَّه
تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة إِلَّا غُفِرَ لَهُ وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ
" وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد
الْأَعْلَى عَنْ مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان بِهِ . ثُمَّ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد
حَدَّثَنَا عَارِم حَدَّثَنَا اِبْن الْمُبَارَك حَدَّثَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ
عَنْ أَبِي عُثْمَان وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " اِقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ " يَعْنِي يس وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه
بْن الْمُبَارَك بِهِ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَان
عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء
مِنْ خَصَائِص هَذِهِ السُّورَة أَنَّهَا لَا تُقْرَأ عِنْد أَمْر عَسِير إِلَّا
يَسَّرَهُ اللَّه تَعَالَى وَكَأَنَّ قِرَاءَتهَا عِنْد الْمَيِّت لِتَنْزِل
الرَّحْمَة وَالْبَرَكَة وَلِيَسْهُل عَلَيْهِ خُرُوج الرُّوح وَاَللَّه تَعَالَى
أَعْلَم . قَالَ الْإِمَام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة
حَدَّثَنَا صَفْوَان قَالَ : كَانَ الْمَشْيَخَة يَقُولُونَ إِذَا قُرِئَتْ يَعْنِي
يس عِنْد الْمَيِّت خَفَّفَ اللَّه عَنْهُ بِهَا . وَقَالَ الْبَزَّار حَدَّثَنَا
سَلَمَة بْن شَبِيب حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَوَدِدْت أَنَّهَا فِي قَلْب كُلّ إِنْسَان مِنْ أُمَّتِي " يَعْنِي
يس . قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي أَوَّل سُورَة
الْبَقَرَة وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَعِكْرِمَة
وَالضَّحَّاك وَالْحَسَن وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ أَنَّ يس بِمَعْنَى يَا
إِنْسَان وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر هُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَة الْحَبَشَة وَقَالَ
مَالِك عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى
.
تفسير
القرطبي وَهِيَ مَكِّيَّة
بِإِجْمَاعٍ . وَهِيَ ثَلَاث وَثَمَانُونَ آيَة ; إِلَّا أَنَّ فِرْقَة قَالَتْ :
إِنَّ قَوْله تَعَالَى " وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ " [ يس : 12 ]
نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلِمَةَ مِنْ الْأَنْصَار حِين أَرَادُوا أَنْ يَتْرُكُوا
دِيَارَهُمْ , وَيَنْتَقِلُوا إِلَى جِوَار مَسْجِد الرَّسُول صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى مَا يَأْتِي . وَفِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَعْقِل
بْن يَسَار قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
اِقْرَءُوا يس عَلَى مَوْتَاكُمْ ) . وَذَكَر الْآجُرِّيّ مِنْ حَدِيث أُمّ
الدَّرْدَاء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ
مَيِّت يُقْرَأ عَلَيْهِ سُورَة يس إِلَّا هَوَّنَ اللَّه عَلَيْهِ . وَفِي مُسْنَد
الدَّارِمِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة يس فِي لَيْلَةٍ اِبْتِغَاءَ وَجْه
اللَّه غُفِرَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ) خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ
أَيْضًا . وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْء قَلْبًا وَقَلْب الْقُرْآن يس
وَمَنْ قَرَأَ يس كَتَبَ اللَّه لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَة الْقُرْآن عَشْر
مَرَّات ) قَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب , وَفِي إِسْنَاده هَارُون أَبُو مُحَمَّد
شَيْخ مَجْهُول ; وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَلَا يَصِحّ حَدِيث
أَبِي بَكْر مِنْ قِبَل إِسْنَاده , وَإِسْنَاده ضَعِيف . وَعَنْ عَائِشَة أَنَّ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْقُرْآن
لَسُورَةً تَشْفَع لِقُرَّائِهَا وَيُغْفَر لِمُسْتَمِعِهَا أَلَا وَهِيَ سُورَة يس
تُدْعَى فِي التَّوْرَاة الْمُعِمَّة ) قِيلَ : يَا. رَسُول اللَّه وَمَا
الْمُعِمَّة ؟ قَالَ : ( تَعُمّ صَاحِبَهَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَتَدْفَع عَنْهُ
أَهَاوِيلَ الْآخِرَة وَتُدْعَى الدَّافِعَة وَالْقَاضِيَة ) قِيلَ : يَا رَسُول
اللَّه وَكَيْف ذَلِكَ ؟ قَالَ : ( تَدْفَع عَنْ صَاحِبِهَا كُلّ سُوء وَتَقْضِي
لَهُ كُلّ حَاجَة وَمَنْ قَرَأَهَا عَدَلَتْ لَهُ عِشْرِينَ حَجَّة وَمَنْ
سَمِعَهَا كَانَتْ لَهُ كَأَلْفِ دِينَار تَصَدَّقَ بِهَا فِي سَبِيل اللَّه وَمَنْ
كَتَبَهَا وَشَرِبَهَا أَدْخَلَتْ جَوْفَهُ أَلْفَ دَوَاء وَأَلْف نُور وَأَلْف
يَقِين وَأَلْف رَحْمَة وَأَلْف رَأْفَة وَأَلْف هُدًى وَنُزِعَ عَنْهُ كُلّ دَاء
وَغِلّ ) . ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ مِنْ حَدِيث عَائِشَة , وَالتِّرْمِذِيّ
الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول مِنْ حَدِيث أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ
اللَّه عَنْهُ مُسْنَدًا . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب
قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ قَرَأَ " يس " حِين يُصْبِح أُعْطِيَ يُسْر
يَوْمِهِ حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهَا فِي صَدْر لَيْلَته أُعْطِيَ يُسْر
لَيْلَته حَتَّى يُصْبِح . وَذَكَرَ النَّحَّاس عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي
لَيْلَى قَالَ : لِكُلِّ شَيْء قَلْب , وَقَلْب الْقُرْآن يس مَنْ قَرَأَهَا
نَهَارًا كُفِيَ هَمَّهُ , وَمَنْ قَرَأَهَا لَيْلًا غُفِرَ ذَنْبه . وَقَالَ شَهْر
بْن حَوْشَب : يَقْرَأ أَهْل الْجَنَّة " طه " و " يس " فَقَطْ . رَفَعَ هَذِهِ
الْأَخْبَار الثَّلَاثَة الْمَاوَرْدِيّ فَقَالَ : رَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن
عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ
لِكُلِّ شَيْء قَلْبًا وَإِنَّ قَلْب الْقُرْآن يس وَمَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَة
أُعْطِيَ يُسْر تِلْكَ اللَّيْلَة وَمَنْ قَرَأَهَا فِي يَوْم أُعْطِيَ يُسْرَ
ذَلِكَ الْيَوْم وَإِنَّ أَهْل الْجَنَّة يُرْفَع عَنْهُمْ الْقُرْآن فَلَا
يَقْرَءُونَ شَيْئًا إِلَّا طه وَيس ) . وَقَالَ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير :
بَلَغَنِي أَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَة " يس " لَيْلًا لَمْ يَزَلْ فِي فَرَح حَتَّى
يُصْبِح , وَمَنْ قَرَأَهَا حِين يُصْبِح لَمْ يَزَلْ فِي فَرَح حَتَّى يُمْسِي ;
وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ جَرَّبَهَا ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ وَابْن عَطِيَّة ,
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَيُصَدِّق ذَلِكَ التَّجْرِبَةُ . وَذَكَرَ التِّرْمِذِيّ
الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول عَنْ عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّد بْن الصَّلْت عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ مُحَمَّد بْن مَرْوَان عَنْ
أَبِي جَعْفَر قَالَ : مَنْ وَجَدَ فِي قَلْبه قَسَاوَة فَلْيَكْتُبْ " يس " فِي
جَام بِزَعْفَرَانٍ ثُمَّ يَشْرَبُهُ ; حَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّه قَالَ :
حَدَّثَنَا أَصْرَم بْن حَوْشَب , عَنْ بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , عَنْ الْمُعْتَمِر
بْن أَشْرَفَ , عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْقُرْآن أَفْضَل مِنْ كُلّ شَيْء دُون اللَّه
وَفَضْل الْقُرْآن عَلَى سَائِر الْكَلَام كَفَضْلِ اللَّه عَلَى خَلْقه فَمَنْ
وَقَّرَ الْقُرْآن فَقَدْ وَقَّرَ اللَّه وَمَنْ لَمْ يُوَقِّرْ الْقُرْآن لَمْ
يُوَقِّرْ اللَّه وَحُرْمَة الْقُرْآن عِنْد اللَّه كَحُرْمَةِ الْوَالِد عَلَى
وَلَده . الْقُرْآن شَافِع مُشَفَّع وَمَاحِل مُصَدَّق فَمَنْ شَفَعَ لَهُ
الْقُرْآن شُفِّعَ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآن صُدِّقَ وَمَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ
قَادَهُ إِلَى الْجَنَّة وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّار .
وَحَمَلَة الْقُرْآن هُمْ الْمَحْفُوفُونَ بِحُرْمَةِ اللَّه الْمُلْبَسُونَ نُور
اللَّه الْمُعَلَّمُونَ كَلَام اللَّه مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ وَالَى اللَّه وَمَنْ
عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّه , يَقُول اللَّه تَعَالَى : يَا حَمَلَة الْقُرْآن
اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ بِتَوْقِيرِ كِتَابه يَزِدْكُمْ حُبًّا وَيُحَبِّبْكُمْ
إِلَى عِبَادِهِ يُدْفَع عَنْ مُسْتَمِع الْقُرْآن بَلْوَى الدُّنْيَا وَيُدْفَع
عَنْ تَالِي الْقُرْآن بَلْوَى الْآخِرَة وَمَنْ اِسْتَمَعَ آيَة مِنْ كِتَاب
اللَّه كَانَ لَهُ أَفْضَل مِمَّا تَحْت الْعَرْش إِلَى التُّخُوم وَإِنَّ فِي
كِتَاب اللَّه لَسُورَةً تُدْعَى الْعَزِيزَة وَيُدْعَى صَاحِبهَا الشَّرِيف يَوْم
الْقِيَامَة تَشْفَعُ لِصَاحِبِهَا فِي أَكْثَر مِنْ رَبِيعَة وَمُضَر وَهِيَ
سُورَة يس ) . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَرَأَ سُورَة يس لَيْلَة
الْجُمْعَة أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ ) . وَعَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِر فَقَرَأَ سُورَة يس
خَفَّفَ اللَّه عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ حُرُوفِهَا حَسَنَات ) .
فِي " يس " أَوْجُه مِنْ الْقِرَاءَات : قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَالْكِسَائِيّ "
يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ " بِإِدْغَامِ النُّون فِي الْوَاو . وَقَرَأَ أَبُو
عَمْرو وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة " يَسِنْ " بِإِظْهَارِ النُّون . وَقَرَأَ عِيسَى
بْن عُمَر " يَسِنَ " بِنَصْبِ النُّون . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن أَبِي
إِسْحَاق وَنَصْر بْن عَاصِم " يَسِنِ " بِالْكَسْرِ . وَقَرَأَ هَارُون الْأَعْوَر
وَمُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " يَسِنُ " بِضَمِّ النُّون ; فَهَذِهِ خَمْس
قِرَاءَات . الْقِرَاءَة الْأُولَى بِالْإِدْغَامِ عَلَى مَا يَجِب فِي
الْعَرَبِيَّة ; لِأَنَّ النُّون تُدْغَم فِي الْوَاو . وَمَنْ بَيَّنَ قَالَ :
سَبِيل حُرُوف الْهِجَاء أَنْ يُوقَف عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا يَكُون الْإِدْغَام
فِي الْإِدْرَاج . وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ النَّصْب وَجَعَلَهُ مِنْ جِهَتَيْنِ :
إِحْدَاهُمَا أَنْ يَكُون مَفْعُولًا وَلَا يَصْرِفُهُ ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُ اِسْم
أَعْجَمِيّ بِمَنْزِلَةِ هَابِيل , وَالتَّقْدِير اُذْكُرْ يَسِينَ . وَجَعَلَهُ
سِيبَوَيْهِ اِسْمًا لِلسُّورَةِ . وَقَوْلُهُ الْآخَر أَنْ يَكُون مَبْنِيًّا
عَلَى الْفَتْح مِثْل كَيْف وَأَيْنَ . وَأَمَّا الْكَسْر فَزَعَمَ الْفَرَّاء
أَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِقَوْلِ الْعَرَب جَيْرِ لَا أَفْعَل , فَعَلَى هَذَا يَكُون "
يَسِنِ " قَسَمًا . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : مُشَبَّه بِأَمْسِ
وَحَذَامِ وَهَؤُلَاءِ وَرَقَاشِ . وَأَمَّا الضَّمّ فَمُشَبَّهٌ بِمُنْذُ وَحَيْثُ
وَقَطُّ , وَبِالْمُنَادَى الْمُفْرَد إِذَا قُلْت يَا رَجُل , لِمَنْ يَقِف
عَلَيْهِ . قَالَ اِبْن السَّمَيْقَع وَهَارُون : وَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرهَا يَا
رَجُلُ فَالْأَوْلَى بِهَا الضَّمّ . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ " " يس " وَقْف
حَسَن لِمَنْ قَالَ هُوَ اِفْتِتَاح لِلسُّورَةِ . وَمَنْ قَالَ : مَعْنَى " يس "
يَا رَجُل لَمْ يَقِف عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود
وَغَيْرهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ يَا إِنْسَان , وَقَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى : "
سَلَام عَلَى آل يَاسِين " [ الصَّافَّات : 130 ] أَيْ عَلَى آل مُحَمَّد . وَقَالَ
سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ; وَدَلِيله " إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ " . قَالَ السَّيِّد
الْحِمْيَرِيّ : يَا نَفْسُ لَا تَمْحَضِي بِالنُّصْحِ جَاهِدَةً عَلَى
الْمَوَدَّةِ إِلَّا آلَ يَاسِين وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : مَعْنَاهُ يَا
سَيِّد الْبَشَر . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه ; قَالَ مَالِك .
رَوَى عَنْهُ أَشْهَب قَالَ : سَأَلْته هَلْ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى
بِيَاسِين ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ يَنْبَغِي لِقَوْلِ اللَّه : " يس وَالْقُرْآن
الْحَكِيم " يَقُول هَذَا اِسْمِي يس . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ هَذَا كَلَام
بَدِيع , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْد يَجُوز لَهُ أَنْ يَتَسَمَّى بِاسْمِ الرَّبّ
إِذَا كَانَ فِيهِ مَعْنًى مِنْهُ ; كَقَوْلِهِ : عَالِم وَقَادِر وَمُرِيد
وَمُتَكَلِّم . وَإِنَّمَا مَنَعَ مَالِك مِنْ التَّسْمِيَةِ بِـ " يَسِينَ " ;
لِأَنَّهُ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ ; فَرُبَّمَا كَانَ
مَعْنَاهُ يَنْفَرِد بِهِ الرَّبّ فَلَا يَجُوز أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ الْعَبْد .
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " سَلَام عَلَى آل يَاسِين " [
الصَّافَّات : 130 ] قُلْنَا : ذَلِكَ مَكْتُوب بِهِجَاءٍ فَتَجُوز التَّسْمِيَة
بِهِ , وَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِمُتَهَجًّى هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَالِك
عَلَيْهِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَال ; وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ بَعْض
الْعُلَمَاء : اِفْتَتَحَ اللَّه هَذِهِ السُّورَة بِالْيَاءِ وَالسِّين وَفِيهِمَا
مَجْمَع الْخَيْر : وَدَلَّ الْمُفْتَتَح عَلَى أَنَّهُ قَلْب , وَالْقَلْب أَمِير
عَلَى الْجَسَد ; وَكَذَلِكَ " يس " أَمِير عَلَى سَائِر السُّوَر , مُشْتَمِل
عَلَى جَمِيع الْقُرْآن . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْضًا ; فَقَالَ سَعِيد بْن
جُبَيْر وَعِكْرِمَة : هُوَ بِلُغَةِ الْحَبَشَة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : هُوَ
بِلُغَةِ طَيٍّ . الْحَسَن : بِلُغَةِ كَلْب . الْكَلْبِيّ : هُوَ
بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَتَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَب فَصَارَ مِنْ لُغَتهمْ . وَقَدْ
مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي [ طه ] وَفِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب مُسْتَوْفًى .
وَقَدْ سَرَدَ الْقَاضِي عِيَاض أَقْوَال الْمُفَسِّرِينَ فِي مَعْنَى " يس "
فَحَكَى أَبُو مُحَمَّد مَكِّيّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لِي عِنْد رَبِّي عَشَرَة أَسْمَاء ) ذَكَرَ أَنَّ
مِنْهَا طه وَيس اِسْمَانِ لَهُ . قُلْت : وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ عَلِيّ
رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَسْمَانِي فِي الْقُرْآن سَبْعَة
أَسْمَاء مُحَمَّد وَأَحْمَد وَطه وَيس وَالْمُزَّمِّل وَالْمُدَّثِّر وَعَبْد
اللَّه ) قَالَهُ الْقَاضِي . وَحَكَى أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ عَنْ
جَعْفَر الصَّادِق أَنَّهُ أَرَادَ يَا سَيِّد , مُخَاطَبَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : " يس " يَا إِنْسَان أَرَادَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ : هُوَ قَسَم وَهُوَ مِنْ
أَسْمَاء اللَّه سُبْحَانَهُ . وَقَالَ الزَّجَّاج : قِيلَ مَعْنَاهُ يَا مُحَمَّد
وَقِيلَ يَا رَجُل وَقِيلَ يَا إِنْسَان . وَعَنْ اِبْن الْحَنَفِيَّة : " يس " يَا
مُحَمَّد . وَعَنْ كَعْب : " يس " قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ
السَّمَاء وَالْأَرْض بِأَلْفَيْ عَام قَالَ يَا مُحَمَّد : " إِنَّك لَمِنْ
الْمُرْسَلِينَ " ثُمَّ قَالَ : " وَالْقُرْآن الْحَكِيم " . فَإِنْ قُدِّرَ
أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَحَّ فِيهِ
أَنَّهُ قَسَم كَانَ فِيهِ مِنْ التَّعْظِيم مَا تَقَدَّمَ , وَيُؤَكِّد فِيهِ
الْقَسَمَ عَطْف الْقَسَم الْآخَر عَلَيْهِ . وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى النِّدَاء
فَقَدْ جَاءَ قَسَم آخَر بَعْده لِتَحْقِيقِ رِسَالَته وَالشَّهَادَة بِهِدَايَتِهِ
.
تفسير
الطبري الْقَوْل فِي
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : ( يس ) اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل
قَوْله : ( يس ) فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ قَسَم أَقْسَمَ اللَّه بِهِ , وَهُوَ مِنْ
أَسْمَاء اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22220 حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ
لَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس ,
قَوْله : يس قَالَ : فَإِنَّهُ قَسَم أَقْسَمَهُ اللَّه , وَهُوَ مِنْ أَسْمَاء
اللَّه وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : يَا رَجُل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
22221 حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلة , قَالَ : ثنا
الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي
قَوْله يس قَالَ : يَا إِنْسَان , بِالْحَبَشِيَّةِ 22222 حَدَّثَنَا اِبْن
الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ
شَرْقِيّ , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : تَفْسِير يس : يَا إِنْسَان
وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ مِفْتَاح كَلَام اِفْتَتَحَ اللَّه بِهِ كَلَامه . ذِكْر
مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22223 حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل ,
قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يس
مِفْتَاح كَلَام , اِفْتَتَحَ اللَّه بِهِ كَلَامه وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ
اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22224 حَدَّثَنَا
بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : يس
قَالَ : كُلّ هِجَاء فِي الْقُرْآن اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن قَالَ أَبُو
جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِيمَا مَضَى فِي نَظَائِر ذَلِكَ مِنْ حُرُوف
الْهِجَاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته وَتَكْرِيره فِي هَذَا
الْمَوْضِع.
تفسير
ابن كثير : وَالْقُرْآن الْحَكِيم " أَيْ الْمُحْكَم الَّذِي لَا
يَأْتِيه الْبَاطِل مِنْ بَيْن يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفه .
تفسير
القرطبي :" الْحَكِيم " الْمُحْكَم حَتَّى لَا يَتَعَرَّض لِبُطْلَانٍ
وَتَنَاقُض ; كَمَا قَالَ : " أُحْكِمَتْ آيَاته " [ هُود : 1 ] . وَكَذَلِكَ
أُحْكِمَ فِي نَظْمِهِ وَمَعَانِيه فَلَا يَلْحَقُهُ خَلَل . وَقَدْ يَكُون "
الْحَكِيم " فِي حَقّ اللَّه بِمَعْنَى الْمُحْكِم بِكَسْرِ الْكَاف كَالْأَلِيمِ
بِمَعْنَى الْمُؤْلِم .
تفسير
الطبري : وَقَوْله : (وَالْقُرْآن الْحَكِيم) يَقُول :
وَالْقُرْآن الْمُحْكَم بِمَا فِيهِ مِنْ أَحْكَامه , وَبَيِّنَات
حُجَجه
تفسير
ابن كثير : إِنَّك " أَيْ يَا مُحَمَّد .
تفسير
القرطبي : أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِاسْمِهِ وَكِتَابه إِنَّهُ
لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِهِ إِلَى عِبَاده , وَعَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم مِنْ
إِيمَانه ; أَيْ طَرِيق لَا اِعْوِجَاج فِيهِ وَلَا عُدُول عَنْ الْحَقّ . قَالَ
النَّقَّاش : لَمْ يُقْسِم اللَّه تَعَالَى لِأَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ
بِالرِّسَالَةِ فِي كِتَابه إِلَّا لَهُ , وَفِيهِ مِنْ تَعْظِيمه وَتَمْجِيده
عَلَى تَأْوِيل مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَا سَيِّد مَا فِيهِ , وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ
السَّلَام : ( أَنَا سَيِّد وَلَد آدَم ) اِنْتَهَى كَلَامه . وَحَكَى
الْقُشَيْرِيّ قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالَتْ كُفَّار قُرَيْش لَسْت مُرْسَلًا
وَمَا أَرْسَلَك اللَّه إِلَيْنَا ; فَأَقْسَمَ اللَّه بِالْقُرْآنِ الْمُحْكَم
أَنَّ مُحَمَّدًا مِنْ الْمُرْسَلِينَ .
تفسير
الطبري : (إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ ) يَقُول تَعَالَى
ذِكْره مُقْسِمًا بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيله لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ بِوَحْيِ اللَّه
إِلَى عِبَاده , كَمَا : 22225 بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد ,
عَنْ قَتَادَة وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ قَسَم كَمَا
تَسْمَعُونَ إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
تفسير
ابن كثير : لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " أَيْ
عَلَى مَنْهَج وَدِين قَوِيم وَشَرْع مُسْتَقِيم .
تفسير
القرطبي : أَيْ دِين مُسْتَقِيم وَهُوَ الْإِسْلَام . وَقَالَ
الزَّجَّاج : عَلَى طَرِيق الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ تَقَدَّمُوك ; وَقَالَ : "
إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ " خَبَر إِنَّ , و " عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " خَبَر
ثَانٍ , أَيْ إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , وَإِنَّك عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم .
وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ عَلَى اِسْتِقَامَة ; فَيَكُون قَوْله
: " عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " مِنْ صِلَة الْمُرْسَلِينَ ; أَيْ إِنَّك لَمِنْ
الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ أُرْسِلُوا عَلَى طَرِيقَة مُسْتَقِيمَة ; كَقَوْلِهِ
تَعَالَى : " وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم . صِرَاط اللَّه " أَيْ
الصِّرَاط الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ .
تفسير
الطبري : وَقَوْله : (عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ) يَقُول : عَلَى
طَرِيق لَا اِعْوِجَاج فِيهِ مِنْ الْهُدَى , وَهُوَ الْإِسْلَام , كَمَا : 22226
حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة
عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم : أَيْ عَلَى الْإِسْلَام وَفِي قَوْله : عَلَى صِرَاط
مُسْتَقِيم وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّك لَمِنْ
الْمُرْسَلِينَ عَلَى اِسْتِقَامَة مِنْ الْحَقّ , فَيَكُون حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ
قَوْله عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم مِنْ صِلَة الْإِرْسَال . وَالْآخَر أَنْ يَكُون
خَبَرًا مُبْتَدَأ , كَأَنَّهُ قِيلَ : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , إِنَّك
عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم .
تفسير
ابن كثير : تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم " أَيْ هَذَا الصِّرَاط وَالْمَنْهَج
وَالدِّين الَّذِي جِئْت بِهِ تَنْزِيل مِنْ رَبّ الْعِزَّة الرَّحِيم بِعِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط
مُسْتَقِيم صِرَاط اللَّه الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض
أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور " .
تفسير
القرطبي : قَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَفْص وَالْأَعْمَش وَيَحْيَى وَحَمْزَة
وَالْكِسَائِيّ وَخَلَف : " تَنْزِيل " بِنَصْبِ اللَّام عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ
نَزَّلَ اللَّه ذَلِكَ تَنْزِيلًا . وَأَضَافَ الْمَصْدَر فَصَارَ مَعْرِفَة
كَقَوْلِهِ : " فَضَرْب الرِّقَاب " [ مُحَمَّد : 4 ] أَيْ فَضَرْبًا لِلرِّقَابِ .
الْبَاقُونَ " تَنْزِيلُ " بِالرَّفْعِ عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف أَيْ هُوَ
تَنْزِيل , أَوْ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْك تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم . هَذَا
وَقُرِئَ : " تَنْزِيل " بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَل مِنْ " الْقُرْآن "
وَالتَّنْزِيل يَرْجِع إِلَى الْقُرْآن . وَقِيلَ : إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , وَإِنَّك " تَنْزِيل
الْعَزِيز الرَّحِيم " . فَالتَّنْزِيل عَلَى هَذَا بِمَعْنَى الْإِرْسَال ; قَالَ
اللَّه تَعَالَى : " قَدْ أَنْزَلَ اللَّه إِلَيْكُمْ ذِكْرًا . رَسُولًا يَتْلُوا
عَلَيْكُمْ " [ الطَّلَاق : 10 ـ 11 ] وَيُقَال : أَرْسَلَ اللَّه الْمَطَر
وَأَنْزَلَهُ بِمَعْنًى . وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَة
اللَّه أَنْزَلَهَا مِنْ السَّمَاء . وَمَنْ نَصَبَ قَالَ : إِنَّك لَمِنْ
الْمُرْسَلِينَ إِرْسَالًا مِنْ الْعَزِيز الرَّحِيم . و " الْعَزِيز "
الْمُنْتَقِم مِمَّنْ خَالَفَهُ " الرَّحِيم " بِأَهْلِ طَاعَته .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : تَنْزِيل الْعَزِيز
الرَّحِيم اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : تَنْزِيل الْعَزِيز
الرَّحِيم فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : و " تَنْزِيلُ
الْعَزِيز " بِرَفْعِ تَنْزِيل , وَالرَّفْع فِي ذَلِكَ يَتَّجِه مِنْ وَجْهَيْنِ ;
أَحَدهمَا : بِأَنْ يُجْعَل خَبَرًا , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّهُ
تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم. وَالْآخَر : بِالِابْتِدَاءِ , فَيَكُون مَعْنَى
الْكَلَام حِينَئِذٍ : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ , هَذَا تَنْزِيل الْعَزِيز
الرَّحِيم . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَبَعْض أَهْل الشَّام :
تَنْزِيلَ نَصْبًا عَلَى الْمَصْدَر مِنْ قَوْله : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ
لِأَنَّ الْإِرْسَال إِنَّمَا هُوَ عَنْ التَّنْزِيل , فَكَأَنَّهُ قِيلَ :
لَمُنَزَّل تَنْزِيل الْعَزِيز الرَّحِيم حَقًّا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي
ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار ,
مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب
. وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ يَا مُحَمَّد إِرْسَال
الرَّبّ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , الرَّحِيم بِمَنْ
تَابَ إِلَيْهِ , وَأَنَابَ مِنْ كُفْره وَفُسُوقه أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى سَالِف
جُرْمه بَعْد تَوْبَته لَهُ
تفسير
ابن كثير : وَقَوْله تَعَالَى " لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ
آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ " يَعْنِي بِهِمْ الْعَرَب فَإِنَّهُ مَا أَتَاهُمْ
مِنْ نَذِير مِنْ قَبْله , وَذِكْرهمْ وَحْدهمْ لَا يَنْفِي مَنْ عَدَاهُمْ كَمَا
أَنَّ ذِكْر بَعْض الْأَفْرَاد لَا يَنْفِي الْعُمُوم وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر
الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْمُتَوَاتِرَة فِي عُمُوم بَعْثَته صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تفسير
القرطبي : " مَا " لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب عِنْد أَكْثَر أَهْل
التَّفْسِير , مِنْهُمْ قَتَادَة ; لِأَنَّهَا نَفْي وَالْمَعْنَى : لِتُنْذِرَ
قَوْمًا مَا أَتَى آبَاءَهُمْ قَبْلَك نَذِير . وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي
فَالْمَعْنَى : لِتُنْذِرَهُمْ مِثْل مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ; قَالَهُ اِبْن
عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة أَيْضًا . وَقِيلَ : إِنَّ " مَا " وَالْفِعْل
مَصْدَر ; أَيْ لِتُنْذِر قَوْمًا إِنْذَار آبَائِهِمْ . ثُمَّ يَجُوز أَنْ تَكُون
الْعَرَب قَدْ بَلَغَتْهُمْ بِالتَّوَاتُرِ أَخْبَار الْأَنْبِيَاء ; فَالْمَعْنَى
لَمْ يُنْذَرُوا بِرَسُولٍ مِنْ أَنْفُسهمْ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون بَلَغَهُمْ
الْخَبَر وَلَكِنْ غَفَلُوا وَأَعْرَضُوا وَنَسُوا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا
خِطَابًا لِقَوْمٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ خَبَر نَبِيّ , وَقَدْ قَالَ اللَّه : " وَمَا
آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُب يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ
مِنْ نَذِير " [ سَبَأ : 44 ] وَقَالَ : " لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ
نَذِير مِنْ قَبْلَكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ " [ السَّجْدَة : 3 ] أَيْ لَمْ
يَأْتِهِمْ نَبِيٌّ .
فهم غافلون : فَعَلَى
قَوْل مَنْ قَالَ بَلَغَهُمْ خَبَر الْأَنْبِيَاء , فَالْمَعْنَى فَهُمْ
مُعْرِضُونَ الْآنَ مُتَغَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ , وَيُقَال لِلْمُعْرِضِ عَنْ
الشَّيْء إِنَّهُ غَافِل عَنْهُ . وَقِيلَ : " فَهُمْ غَافِلُونَ " عَنْ عِقَاب
اللَّه .
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : (لِتُنْذِر
قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ )اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل
فِي تَأْوِيل قَوْله : (لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ) فَقَالَ
بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أَنْذَرَ اللَّه مَنْ قَبْلهمْ مِنْ
آبَائِهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22227 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ
سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة : لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ
أَبَاؤُهُمْ قَالَ : قَدْ أُنْذِرُوا وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ
لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِر آبَاؤُهُمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22228
حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة
لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ قَالَ بَعْضهمْ : لِتُنْذِر قَوْمًا
مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ مِنْ إِنْذَار النَّاس قَبْلهمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ :
لِتُنْذِر قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ : أَيْ هَذِهِ الْأُمَّة لَمْ
يَأْتِهِمْ نَذِير , حَتَّى جَاءَهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : مَا
أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ إِذَا وَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ آبَاءَهُمْ قَدْ
كَانُوا أُنْذِرُوا , وَلَمْ يُرِدْ بِهَا الْجَحْد , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي
الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : إِذَا أُرِيدَ بِهِ غَيْر الْجَحْد لِتُنْذِرهُمْ
الَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ (فَهُمْ غَافِلُونَ )وَقَالَ : فَدُخُول الْفَاء فِي
هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوز , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ : وَهُوَ عَلَى الْجَحْد
أَحْسَن , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلَى قَوْم
لَمْ يُنْذَر آبَاؤُهُمْ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفَتْرَة . وَقَالَ بَعْض
نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا الْجَحْد , فَإِنَّ مَعْنَى
الْكَلَام : لِتُنْذِرهُمْ بِمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ , فَتُلْقَى الْبَاء ,
فَتَكُون " مَا " فِي مَوْضِع نَصْب فَهُمْ غَافِلُونَ يَقُول : فَهُمْ
غَافِلُونَ عَمَّا اللَّه فَاعِل : بِأَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ , مِنْ
إِحْلَال نِقْمَته , وَسَطَوْته بِهِمْ .
ابن
كثير : قَوْله تَعَالَى : " قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي
رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا " . وَقَوْله تَعَالَى " لَقَدْ حَقَّ الْقَوْل
عَلَى أَكْثَرهمْ " قَالَ اِبْن جَرِير لَقَدْ وَجَبَ الْعَذَاب عَلَى أَكْثَرهمْ
بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ حَتَمَ عَلَيْهِمْ فِي أُمّ الْكِتَاب أَنَّهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ " فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " بِاَللَّهِ وَلَا يُصَدِّقُونَ رُسُله
.
تفسير
القرطبي : أَيْ وَجَبَ الْعَذَاب عَلَى أَكْثَرهمْ فهم لا يؤمنون
بِإِنْذَارِك . وَهَذَا فِيمَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُ يَمُوت عَلَى
كُفْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ سَبَب تَرْكهمْ الْإِيمَان فَقَالَ : " إِنَّا جَعَلْنَا
فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا "
تفسير
الطبري : وَقَوْله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْل عَلَى أَكْثَرهمْ فَهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ ) يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ وَجَبَ الْعِقَاب عَلَى أَكْثَرهمْ
, لِأَنَّ اللَّه قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِمْ فِي أُمّ الْكِتَاب أَنَّهُمْ لَا
يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَلَا يُصَدِّقُونَ رَسُوله .
تفسير
ابن كثير : يَقُول تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَا هَؤُلَاءِ الْمَحْتُوم
عَلَيْهِمْ بِالشَّقَاءِ نِسْبَتهمْ إِلَى الْوُصُول إِلَى الْهُدَى كَنِسْبَةِ
مَنْ جُعِلَ فِي عُنُقه غُلّ فَجَمَعَ يَدَيْهِ مَعَ عُنُقه تَحْت ذَقَنه
فَارْتَفَعَ رَأْسه فَصَارَ مُقْمَحًا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَهُمْ
مُقْمَحُونَ " وَالْمُقْمَح هُوَ الرَّافِع رَأْسه كَمَا قَالَتْ أُمّ زَرْع فِي
كَلَامهَا : وَأَشْرَب فَأَتَقَمَّح ; أَيْ أَشْرَب فَأَرْوَى وَأَرْفَع رَأْسِي
تَهْنِيئًا وَتَرَوِّيًا وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْغُلّ فِي الْعُنُق عَنْ ذِكْر
الْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَتَا مُرَادَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَمَا أَدْرِي
إِذَا يَمَّمْت أَرْضًا أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْر الَّذِي
أَنَا أَبْتَغِيهِ أَمْ الشَّرّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي فَاكْتَفَى بِذِكْرِ
الْخَيْر عَنْ ذِكْر الشَّرّ لَمَّا دَلَّ الْكَلَام وَالسِّيَاق عَلَيْهِ .
وَهَكَذَا هَذَا لَمَّا كَانَ الْغُلّ إِنَّمَا يُعْرَف فِيمَا جَمَعَ الْيَدَيْنِ
مَعَ الْعُنُق اِكْتَفَى بِذِكْرِ الْعُنُق عَنْ الْيَدَيْنِ قَالَ الْعَوْفِيّ
عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي قَوْله تَعَالَى " إِنَّا
جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ
" قَالَ هُوَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى
عُنُقك " يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَيْدِيهمْ مُوثَقَة إِلَى أَعْنَاقهمْ لَا
يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْسُطُوهَا بِخَيْرٍ . وَقَالَ مُجَاهِد " فَهُمْ
مُقْمَحُونَ " قَالَ رَافِعِي رُءُوسهمْ وَأَيْدِيهمْ مَوْضُوعَة عَلَى أَفْوَاههمْ
فَهُمْ مَغْلُولُونَ عَنْ كُلّ خَيْر .
تفسير
القرطبي : فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان " قِيلَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْل بْن
هِشَام وَصَاحِبَيْهِ الْمَخْزُومِيَّيْنِ ; وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا جَهْل حَلَفَ
لَئِنْ رَأَى مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَيَرْضَخَنَّ رَأْسه بِحَجَرٍ ; فَلَمَّا رَآهُ
ذَهَبَ فَرَفَعَ حَجَرًا لِيَرْمِيَهُ , فَلَمَّا أَوْمَأَ إِلَيْهِ رَجَعَتْ يَده
إِلَى عُنُقه , وَالْتَصَقَ الْحَجَر بِيَدِهِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة
وَغَيْرهمَا ; فَهُوَ عَلَى هَذَا تَمْثِيل أَيْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَتْ
يَده إِلَى عُنُقه , فَلَمَّا عَادَ إِلَى أَصْحَابه أَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى ,
فَقَالَ الرَّجُل الثَّانِي وَهُوَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة : أَنَا أَرْضَخُ
رَأْسَهُ . فَأَتَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حَالَته لِيَرْمِيَهُ بِالْحَجَرِ
فَأَعْمَى اللَّه بَصَره فَجَعَلَ يَسْمَع صَوْته وَلَا يَرَاهُ , فَرَجَعَ إِلَى
أَصْحَابه فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى نَادَوْهُ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا رَأَيْته
وَلَقَدْ سَمِعْت صَوْته . فَقَالَ الثَّالِث : وَاَللَّه لَأَشْدُخَنَّ أَنَا
رَأْسه . ثُمَّ أَخَذَ الْحَجَر وَانْطَلَقَ فَرَجَعَ الْقَهْقَرَى يَنْكُصُ عَلَى
عَقِبَيْهِ حَتَّى خَرَّ عَلَى قَفَاهُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ . فَقِيلَ لَهُ : مَا
شَأْنك ؟ قَالَ شَأْنِي عَظِيم رَأَيْت الرَّجُل فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ , وَإِذَا
فَحْل يَخْطِر بِذَنَبِهِ مَا رَأَيْت فَحْلًا قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهُ حَالَ بَيْنِي
وَبَيْنه , فَوَاللَّات وَالْعُزَّى لَوْ دَنَوْت مِنْهُ لَأَكَلَنِي . فَأَنْزَلَ
اللَّه تَعَالَى : " إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى
الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ " . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس : " إِنَّا جَعَلْنَا
فِي أَيْمَانِهِمْ " . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَقُرِئَ " إِنَّا جَعَلْنَا فِي
أَيْدِيهمْ " . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْقِرَاءَة تَفْسِير وَلَا يُقْرَأ
بِمَا خَالَفَ الْمُصْحَف . وَفِي الْكَلَام حَذْف عَلَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة ;
التَّقْدِير : إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ وَفِي أَيْدِيهمْ أَغْلَالًا
فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان , فَهِيَ كِنَايَة عَنْ الْأَيْدِي لَا عَنْ الْأَعْنَاق
, وَالْعَرَب تَحْذِف مِثْل هَذَا . وَنَظِيره : " سَرَابِيل تَقِيكُمْ الْحَرّ " [
النَّحْل : 81 ] وَتَقْدِيره وَسَرَابِيل تَقِيكُمْ الْبَرْد فَحُذِفَ ; لِأَنَّ
مَا وَقَى مِنْ الْحَرّ وَقَى مِنْ الْبَرْد ; لِأَنَّ الْغُلّ إِذَا كَانَ فِي
الْعُنُق فَلَا بُدّ أَنْ يَكُون فِي الْيَد , وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ : " فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان " فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يُرَاد بِهِ
الْأَيْدِي .
فهم مقمحون : أَيْ
رَافِعُو رُءُوسِهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْإِطْرَاق ; لِأَنَّ مَنْ غُلَّتْ يَده
إِلَى ذَقَنِهِ اِرْتَفَعَ رَأْسه . رَوَى عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى : أَنَّ عَلِيّ
بْن أَبِي طَالِب عَلَيْهِ السَّلَام أَرَاهُمْ الْإِقْمَاح , فَجَعَلَ يَدَيْهِ
تَحْت لِحْيَتِهِ وَأَلْصَقَهُمَا وَرَفَعَ رَأْسه . قَالَ النَّحَّاس , وَهَذَا
أَجَلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ وَهُوَ مَأْخُوذ مِمَّا حَكَاهُ الْأَصْمَعِيّ . قَالَ :
يُقَال أَقْمَحَتْ الدَّابَّة إِذَا جَذَبَتْ لِجَامهَا لِتَرْفَع رَأْسَهَا .
قَالَ النَّحَّاس : وَالْقَاف مُبْدَلَة مِنْ الْكَاف لِقُرْبِهَا مِنْهَا . كَمَا
يُقَال : قَهَرْته وَكَهَرْته . قَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال أَكْمَحَتْ
الدَّابَّة إِذَا جَذَبَتْ عَنَانهَا حَتَّى يَنْتَصِب رَأْسهَا . وَمِنْهُ قَوْل
الشَّاعِر : … وَالرَّأْس مُكْمَح وَيُقَال : أَكَمَحْتهَا وَأَكْفَحْتهَا
وَكَبَحْتهَا ; هَذِهِ وَحْدهَا بِلَا أَلِف عَنْ الْأَصْمَعِيّ . وَقَمَحَ
الْبَعِير قُمُوحًا : إِذَا رَفَعَ رَأْسه عِنْد الْحَوْض وَامْتَنَعَ مِنْ
الشُّرْب , فَهُوَ بَعِير قَامِح وَقَمِح ; يُقَال : شَرِبَ فَتَقَمَّحَ
وَانْقَمَحَ بِمَعْنَى إِذَا رَفَعَ رَأْسه وَتَرَكَ الشُّرْب رِيًّا . وَقَدْ
قَامَحَتْ إِبِلُك : إِذَا وَرَدَتْ وَلَمْ تَشْرَب , وَرَفَعَتْ رَأْسهَا مِنْ
دَاء يَكُون بِهَا أَوْ بَرْد . وَهِيَ إِبِل مُقَامَحَة , وَبَعِير مُقَامِح ,
وَنَاقَة مُقَامِح أَيْضًا , وَالْجَمْع قِمَاح عَلَى غَيْر قِيَاس ; قَالَ بِشْر
يَصِف سَفِينَة : وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبهَا قُعُودُ نَغُضُّ الطَّرَفَ
كَالْإِبِلِ الْقِمَاحِ وَالْإِقْمَاح : رَفْع الرَّأْس وَغَضّ الْبَصَر ; يُقَال :
أَقْمَحَهُ الْغُلّ إِذَا تَرَكَ رَأْسه مَرْفُوعًا مِنْ ضِيقِهِ . وَشَهْرَا
قِمَاح : أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ الْبَرْد , وَهُمَا الْكَانُونَانِ سُمِّيَا
بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْإِبِل إِذَا وَرَدَتْ آذَاهَا بَرْد الْمَاء فَقَامَحَتْ
رُءُوسهَا ; وَمِنْهُ قُمِحَتْ السَّوِيق . وَقِيلَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه
تَعَالَى لَهُمْ فِي اِمْتِنَاعهمْ مِنْ الْهُدَى كَامْتِنَاعِ الْمَغْلُول ; قَالَ
يَحْيَى بْن سَلَّام وَأَبُو عُبَيْدَة . وَكَمَا يُقَال : فُلَان حِمَار ; أَيْ
لَا يُبْصِر الْهُدَى . وَكَمَا قَالَ : لَهُمْ عَنْ الرُّشْد أَغْلَال وَأَقْيَادُ
وَفِي الْخَبَر : أَنَّ أَبَا ذُؤَيْب كَانَ يَهْوَى اِمْرَأَة فِي الْجَاهِلِيَّة
, فَلَمَّا أَسْلَمَ رَاوَدَتْهُ فَأَبَى وَأَنْشَأَ يَقُول : فَلَيْسَ كَعَهْدِ
الدَّارِ يَا أُمَّ مَالِكٍ وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ وَعَادَ
الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ سِوَى الْعَدْلِ شَيْئًا فَاسْتَرَاحَ
الْعَوَاذِلُ أَرَادَ مُنِعْنَا بِمَوَانِع الْإِسْلَام عَنْ تَعَاطِي الزِّنَى
وَالْفِسْق . وَقَالَ الْفَرَّاء أَيْضًا : هَذَا ضَرْب مَثَل ; أَيْ حَبَسْنَاهُمْ
عَنْ الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه ; وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَا
تَجْعَلْ يَدَك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك " [ الْإِسْرَاء : 29 ] وَقَالَ الضَّحَّاك
. وَقِيلَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا فِي الِاسْتِكْبَار عَنْ الْحَقّ كَمَنْ
جُعِلَ فِي يَده غُلّ فَجُمِعَتْ إِلَى عُنُقه , فَبَقِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ لَا
يَخْفِضُهُ , وَغَاضًّا بَصَرَهُ لَا يَفْتَحُهُ . وَالْمُتَكَبِّر يُوصَف
بِانْتِصَابِ الْعُنُق . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : إِنَّ أَيْدِيَهُمْ لَمَّا
غُلَّتْ عِنْد أَعْنَاقِهِمْ رَفَعَتْ الْأَغْلَال أَذْقَانَهُمْ وَرُءُوسَهُمْ
صُعُدًا كَالْإِبِلِ تَرْفَع رُءُوسَهَا . وَهَذَا الْمَنْع بِخَلْقِ الْكُفْر فِي
قُلُوب الْكُفَّار , وَعِنْد قَوْم بِسَلْبِهِمْ التَّوْفِيق عُقُوبَة لَهُمْ عَلَى
كُفْرهمْ . وَقِيلَ : الْآيَة إِشَارَة إِلَى مَا يُفْعَل بِأَقْوَامٍ غَدًا فِي
النَّار مِنْ وَضْع الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل ; كَمَا قَالَ
تَعَالَى : " إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ " [ غَافِر : 71 ]
وَأَخْبَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي . " فَهُمْ مُقْمَحُونَ " تَقَدَّمَ
تَفْسِيره . قَالَ مُجَاهِد : " مُقْمَحُونَ " مُغَلُّونَ عَنْ كُلّ
خَيْر.
تفسير
الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : (إِنَّا جَعَلْنَا فِي
أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ ) يَقُول
تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا جَعَلْنَا أَيْمَان هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مَغْلُولَة
إِلَى أَعْنَاقهمْ بِالْأَغْلَالِ , فَلَا تُبْسَط بِشَيْءٍ مِنْ الْخَيْرَات ;
وَهِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِيمَا ذُكِرَ : وَإِنَّا جَعَلْنَا فِي
أَيْمَانهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان ". وَقَوْله : ( إِلَى
الْأَذْقَان ) يَعْنِي : فَأَيْمَانهمْ مَجْمُوعَة بِالْأَغْلَالِ فِي أَعْنَاقهمْ
, فَكُنِّيَ عَنْ الْأَيْمَان , وَلَمْ يُجْرَ لَهَا ذِكْر لِمَعْرِفَةِ
السَّامِعِينَ بِمَعْنَى الْكَلَام , وَأَنَّ الْأَغْلَال إِذَا كَانَتْ فِي
الْأَعْنَاق لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَأَيْدِي الْمَغْلُولِينَ مَجْمُوعَة بِهَا
إِلَيْهَا فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ كَوْن الْأَغْلَال فِي الْأَعْنَاق مِنْ ذِكْر
الْأَيْمَان , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْت وَجْهًا
أُرِيد الْخَيْر أَيّهمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْر الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيه أَمْ
الشَّرّ الَّذِي لَا يَأْتَلِينِي فَكَنَّى عَنْ الشَّرّ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ
الْخَيْر وَحْده لِعِلْمِ سَامِع ذَلِكَ بِمَعْنَى قَائِله , إِذْ كَانَ الشَّرّ
مَعَ الْخَيْر يُذْكَر . وَالْأَذْقَان : جَمْع ذَقَن , وَالذَّقَن : مَجْمَع
اللَّحْيَيْنِ . وَقَوْله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَالْمُقْمَح : هُوَ الْمُقَنَّع
, وَهُوَ أَنْ يُحْدِر الذَّقَن حَتَّى يَصِير فِي الصَّدْر , ثُمَّ يَرْفَع رَأْسه
فِي قَوْل بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة. وَفِي
قَوْل بَعْض الْكُوفِيِّينَ : هُوَ الْغَاضّ بَصَره , بَعْد رَفْع رَأْسه .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ
ذَلِكَ : 22229 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني
عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله :
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ
مُقْمَحُونَ قَالَ : هُوَ كَقَوْلِ اللَّه : وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى
عُنُقك 17 29 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ أَيْدِيهمْ مُوَثَّقَة إِلَى أَعْنَاقهمْ ,
لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَبْسُطُوهَا بِخَيْرٍ 22230 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن
عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث
, قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح
, عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ قَالَ : رَافِعُو رُءُوسهمْ ,
وَأَيْدِيهمْ مَوْضُوعَة عَلَى أَفْوَاههمْ 22231 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا
يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : إِنَّا جَعَلْنَا فِي
أَعْنَاقهمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَان فَهُمْ مُقْمَحُونَ : أَيْ
فَهُمْ مَغْلُولُونَ عَنْ كُلّ خَيْر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق